فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

وجملة { قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر كالتي قبلها ، أي أوذينا من قبل أن تأتينا رسولاً ، وذلك بقتل فرعون أبناءنا عند مولدك لما أخبر بأنه سيولد مولود يكون زوال ملكه على يده { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } رسولاً بقتل أبنائنا الآن . وقيل : المعنى أوذينا من قبل أن تأتينا باستعمالنا في الأعمال الشاقة بغير جعل { ومن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } بما صرنا فيه الآن من الخوف على أنفسنا وأولادنا وأهلنا . وقيل : إن الأذى من قبل ومن بعد واحد ، وهو قبض الجزية منهم . وجملة { قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } مستأنفة كالتي قبلها ، وعدهم بإهلاك الله لعدوّهم ، وهو فرعون وقومه .

قوله : { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض } هو تصريح بما رمز إليه سابقاً من أن الأرض لله . وقد حقّق الله رجاءه ، وملكوا مصر في زمان داود وسليمان ، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون ، وأهلك فرعون وقومه بالغرق وأنجاهم { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } من الأعمال بعد أن يمنّ عليكم بإهلاك عدوّكم { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض } فيجازيكم بما عملتم فيه من خير وشرّ .

/خ129