لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

{ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما آمنت السحرة تبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل والمعنى أن بني إسرائيل لام سمعوا ما قاله فرعون ووعدهم به من القتل مرة ثانية قالوا لموسى قد أوذينا من قبل أن تأتينا يعني بالرسالة وذلك أن بني إسرائيل كانوا مستضعفين في يد فرعون وقومه وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة إلى نصف النهار فلما جاء موسى بالرسالة وجرى ما جرى شدد فرعون في استعمالهم فكان يستعملهم جميع النهار وأعاد القتل عليهم فقالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا يعني بالرسالة وظاهر هذا الكلام يوهم أن بني إسرائيل كرهوا مجيء موسى بالرسالة وذلك كفر .

والجواب عن هذا الإيهام أن موسى عليه الصلاة والسلام كان قد وعدهم بزوال ما كانوا فيه من الشدة والمشقة فظنوا أن ذلك يكون على الفور فلما رأوا أنه قد زادت الشدة عليهم قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا فمتى يكون ما وعدتنا به من زوال ما نحن فيه { قال } موسى مجيباً لهم { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } يعني فرعون وقومه { ويستخلفكم في الأرض } يعني ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم { فينظر كيف تعملون } يعني فيرى ربكم كيف تعملون من بعدهم . قال الزجاج : فيرى وقوع ذلك منهم لأن الله تعالى لا يجازيهم بما يعلمه منهم وإنما يجازيهم على ما يقع منهم .