الآية 129 وقوله تعالى : { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } يخرّج هذا على وجهين .
أحدهما : أن يخرّج مخرج استبطاء النصر والظفر لهم ؛ كأنهم استبطئوا النصر وإهلاك العدوّ والظفر عليهم ، فقال لهم موسى : { عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض } .
والثاني : أن يخرّج مخرج الاعتذار لموسى لما خطر ببال موسى أنهم يقولون : إن ما أصابهم من البلايا والشدائد إنما كان لسببه ولمكانه ، فقالوا ذلك له اعتذارا منهم له : أن قد أصابنا ذلك نحن { من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } لئلا يوهم أنهم يقولون ذلك ، أو يخطر ببالهم ذلك ، والله أعلم .
وجائز أن يكونوا قالوا ذلك على التعيير له والتوبيخ ؛ يقولون : لم يزل{[8836]} يصيبنا من الأذى لسببك ولأجلك { من قبل أن تأتينا } من الاستخدام { ومن بعد ما جئتنا } من أنواع الضرر .
وقوله تعالى : { عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض } وال{ عسى } من الله واجب ، فوعد لهم إهلاك العدو واستخلافهم في الأرض .
وقال بعض أهل التأويل في قوله تعالى : { أوذينا } في سبيلك { من قبل أن تأتينا } بالرسالة ، ويعنون بالأذى قتل الأبناء واستخدام النساء { ومن بعد ما جئتنا } بالرسالة من الشدائد التي أصابتهم من بعد ؛ لكن الأول أقرب وأشبه .
وقوله تعالى : { فينظر كيف تعملون } يحتمل هذا أيضا وجهين :
أحدهما : أن يجعل لكم الأرض ، ويوسّع عليكم الرزق ؛ يمتحنكم في ذلك ، ويبتليكم ، لا أنه يجعل لكم ذلك على غير امتحان ؛ تعملون ما شئتم في ذلك .
والثاني : يمتحنكم بالشدائد والبلايا لينظر كيف تصبرون على ذلك .
ويحتمل وجها آخر ؛ وهو أن يقول لهم : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر } كيف تشكرون ربكم في ما أنعم عليكم ؟ وقوله تعالى : { فينظر كيف } الواقع لكم من الجزاء والثواب .
وقوله تعالى : { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا } أمرهم ، والله أعلم . بطلب المعونة من الله تعالى على قضاء جميع حوائجهم دينا ودنيا . ويحتمل أن يكون على طلب التوفيق لما أمر به والعصمة عمّا حذّرهم عنه .
وكذلك الأمر البيّن في الخلق من طلب التوفيق والمعونة من الله والعصمة /183-ب/ عن المنهيّ عنه جرت به سنة الأخيار ، وبالله المعونة .
ثم لا يصح ذلك على قول المعتزلة لأن الدعاء بالمعونة على أداء ما كلّف ، وقد أعطى ؛ إذ على قولهم : لا يجوز أن يكون المرء مكلّفا ، قد بقي شيء مما به أداء ما كلّف عند الله ، وطلب ما أعطى كتمان للعطية ، وكتمان العطية كفران ، فيصير كأن الله أمر بكفران نعمه وكتمانها وطلبها منه تعنّتا ، وظن مثله بالله كفر . ثم لا يخلو من أن يكون عند الله ما يطلب ، فلم يعط التمام إذن ، أو ليس عنده ، فيكون طلبه منه استهزاء به ، إذ من طلب إلى آخر ما يعلم أنه ليس عنده فهو هازئ به في العرف مع ما كان الذي يطلب إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف ، فيبطل قولهم : لا يجوز أن يكلّف ، وعنده ما به الصلاح في الدين ، فلا يعطي ، وإما{[8837]} ليس له ألا يعطي ، فكأنه قال : اللهم لا تجر ، ولا تظلم . ومن هذا علمه بربه فالإسلام أولى به ، فهذا مع ما يدعو الله أحد بالمعونة إلا{[8838]} يطمئن قلبه أنه لا يزلّ عند المعونة ، ولا يزيغ عند العصمة ، وليس مثله يملك الله عند المعتزلة ، ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.