معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

قوله تعالى : { إن كانت إلا صيحةً واحدة } ، وقرأ أبوجعفر : صيحة واحدة بالرفع ، جعل الكون بمعنى الوقوع . قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، ثم صاح بهم صيحةً واحدة ، { فإذا هم خامدون } ميتون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

{ إِنْ كَانَتْ } أي : كانت عقوبتهم { إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : صوتا واحدا ، تكلم به بعض ملائكة اللّه ، { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } : قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم ، وانزعجوا لتلك الصيحة ، فأصبحوا خامدين ، لا صوت ولا حركة ، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار ، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح ، وتجبرهم عليهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

ولا يطيل هنا في وصف مصرع القوم ، تهويناً لشأنهم ، وتصغيراً لقدرهم . فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم . . ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

وقوله : { إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ خامِدُونَ }يقول : ما كانت هَلَكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً }نصبا على التأويل الذي ذكرت ، وأنّ في { كانت } مضمرا . وذُكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأه : { إلاّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ } رفعا على أنها مرفوعة بكان ، ولا مضمر في كان .

والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك ، وعلى أن في { كانت } مضمرا .

وقوله : { فإذَا هُمْ خامِدُونَ } يقول : فإذا هم هالكون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

{ إن كانت } : ما كانت الأخذة أو العقوبة { إلا صيحة واحدة } صاح بها جبريل عليه السلام ، وقرئت بالرفع على كان التامة . { فإذا هم خامدون } : ميتون ، شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه *** يحور رمادا بعد إذ هو ساطع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

وقرأ الجمهور «إلا صيحةً » بالنصب على خبر «كان » ، أي ما كان عذابهم إلا صحية واحدة ، وقرأ أبو جعفر ومعاذ بن الحارث{[2]} «إلا صيحةٌ » بالرفع ، وضعفها أبو حاتم{[3]} ، والوجه فيها أنها ليست «كان » التي تطلب الاسم والخبر ، وإنما التقدير ما وقعت أو حدثت إلا صحية واحدة ، وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود{[4]} إلا زقية «وهي الصيحة » من الديك ونحوه من الطير{[5]} ، و { خامدون } ساكنون موتى لاطون بالأرض{[6]} شبهوا بالرماد الذي خمدت ناره وطفئت .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

والصيحة : المرة من الصياح ، بوزن فعلَة ، فوصفها بواحدة تأكيد لمعنى الوحدة لئلا يتوهم أن المراد الجنس المفرد من بين الأجناس ، و { صَيْحَةً } منصوب على أنه خبر { كَانَتْ } بعد الاستثناء المفرّغ ، ولحاق تاء التأنيث بالفعل مع نصب { صَيْحَةً } مشير إلى أن المستثنى منه المحذوف العقوبة أو الصيحة التي دلت عليها { صيحة واحِدةً ، } أي لم تكن العقوبة أو الصيحة إلا صيحةً من صفتها أنها واحدة إلى آخره . وقرأ أبو جعفر برفع { صَيْحَةٌ } على أن « كان » تامة ، أي ما وقعت إلا صيحة واحدة .

ومجيء « إذا » الفجائية في الجملة المفرعة على { إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحدة } لإِفادة سرعة الخمود إليهم بتلك الصيحة . وهذه الصيحة صاعقة كما قال تعالى حكاية عن ثمود : { فأخذتهم الصيحة } [ الحجر : 73 ] .

والخمود : انطفاء النار ، استعير للموت بعد الحياة المليئة بالقوة والطغيان ، ليتضمن الكلام تشبيه حال حياتهم بشبوب النار وحال موتهم بخمود النار فحصل لذلك استعارتان إحداهما صريحة مصرحة ، وأخرى ضمنية مكنية ورمزها الأُولى ، وهما الاستعارتان اللتان تضمنهما قول لبيد :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه *** يَحور رماداً بعد إذ هو ساطع

وتقدم قوله تعالى : { حتى جعلناهم حصيداً خامدين } في سورة الأنبياء } ( 15 ) ، فكان هذا الإِيجاز في الآية بديعاً لحصول معنى بيت لبيد في ثلاث كلمات . وهذا يشير إلى حدث عظيم حدث بأهل أنطاكية عقب دعوة المرسلين وهو كرامة لشهداءِ أتباع عيسى عليه السلام ، فإن كانت الصيحة صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود كان الذين خمدوا بها جميعَ أهل القرية فلعلهم كانوا كفاراً كلهم بعد موت الرجل الذي وعظهم وبعد مغادرة الرسل القرية . ولكن مثل هذا الحادث لم يذكر التاريخ حدوثه في أنطاكية ، فيجوز أن يهمل التاريخ بعض الحوادث وخاصة في أزمنة الاضطراب والفتنة .