معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (103)

قوله تعالى : { ولو أنهم آمنوا } . بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

قوله تعالى : { واتقوا } . اليهودية والسحر .

قوله تعالى : { لمثوبة من عند الله خير } . لكان ثواب الله إياهم خيراً لهم .

قوله تعالى : { لو كانوا يعلمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (103)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (103)

75

( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ) . .

وينطبق هذا القول على الذين كانوا يتعلمون السحر من الملكين ببابل ، وعلى الذين يتبعون ما تقصه الشياطين عن عهد سليمان وملكه ، وهم اليهود الذين ينبذون كتاب الله وراءهم ظهريا ، ويتبعون هذا الباطل وهذا الشر الذميم .

/خ103

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (103)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُواْ واتّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ اللّهِ خَيْرٌ لّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

يعني جل ثناؤه بقوله : { وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقُوا } ، لو أن الذين يتعلمون من الملكين ما يفرّقون به بين المرء وزوجه آمنوا ، فصدّقوا الله ورسوله وما جاءهم به من عند ربهم ، واتقوا ربهم فخافوه فخافوا عقابه ، فأطاعوه بأداء فرائضه وتجنبوا معاصيه لكان جزاء الله إياهم وثوابه لهم على إيمانهم به وتقواهم إياه خيرا لهم من السحر وما اكتسبوا به لو كانوا يعلمون أن ثواب الله إياهم على ذلك خير لهم من السحر ومما اكتسبوا به . وإنما نفى بقوله : لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، العلم عنهم أن يكونوا عالمين بمبلغ ثواب الله وقدر جزائه على طاعته .

والمثوبة في كلام العرب مصدرٌ من قول القائل : أثبتك إثابةً وثوابا ومَثُوبة ، فأصل ذلك من ثاب إليك الشيء بمعنى رجع ، ثم يقال : أثبته إليك : أي رجعته إليك ورددته . فكان معنى إثابة الرجل الرجل على الهدية وغيرها : إرجاعه إليها منها بدلاً ، وردّه عليه منها عوضا . ثم جعل كلّ معوّض غيره من عمله أو هديته أو يد له سلفت منه إليه مثيبا له . ومنه ثواب الله عزّ وجل عباده على أعمالهم ، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه ، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : { وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ } مما اكتفي بدلالة الكلام على معناه عن ذكر جوابه ، وأن معناه : ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا ولكنه استغنى بدلالة الخبر عن المثوبة عن قوله : لأثيبوا . وكان بعض نحويي أهل البصرة ينكر ذلك ، ويرى أن جواب قوله : وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا لَمَثُوبَةٌ وأن «لو » إنما أجيبت بالمثوبة ، وإن كانت أخبر عنها بالماضي من الفعل لتقارب معناه من معنى «لئن » في أنهما جزاءان ، فإنهما جوابان للإيمان ، فأدخل جواب كلّ واحدة منهما على صاحبتها ، فأجيبت «لو » بجواب «لئن » ، و«لئن » بجواب «لو » لذلك وإن اختلفت أجوبتهما فكانت «لو » من حكمها وحظها أن تجاب بالماضي من الفعل ، وكانت «لئن » من حكمها وحظها أن تجاب بالمستقبل من الفعل لما وصفنا من تقاربهما ، فكان يتأوّل معنى قوله : { وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا } : ولئن آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير .

وبما قلنا في تأويل المثوبة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } يقول : ثواب من عند الله .

حدثني يونس ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } أما المثوبة ، فهو الثواب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقُوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ } يقول : لثواب من عند الله .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (103)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال لليهود: {ولو أنهم آمنوا}، يعني صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم

{واتقوا} الشرك.

{لمثوبة من عند الله}، يقول: لكان ثوابهم عند الله

{خير} من السحر والكفر.

{لو}، يعني: إن {كانوا يعلمون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقُوا}: لو أن الذين يتعلمون من الملكين ما يفرّقون به بين المرء وزوجه آمنوا، فصدّقوا الله ورسوله وما جاءهم به من عند ربهم، واتقوا ربهم فخافوه فخافوا عقابه، فأطاعوه بأداء فرائضه وتجنبوا معاصيه لكان جزاء الله إياهم وثوابه لهم على إيمانهم به وتقواهم إياه خيرا لهم من السحر وما اكتسبوا به لو كانوا يعلمون أن ثواب الله إياهم على ذلك خير لهم من السحر ومما اكتسبوا به. وإنما نفى بقوله: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، العلم عنهم أن يكونوا عالمين بمبلغ ثواب الله وقدر جزائه على طاعته.

والمثوبة في كلام العرب مصدرٌ من قول القائل: أثبتك إثابةً وثوابا ومَثُوبة، فأصل ذلك من ثاب إليك الشيء بمعنى رجع، ثم يقال: أثبته إليك: أي رجعته إليك ورددته. فكان معنى إثابة الرجل الرجل على الهدية وغيرها: إرجاعه إليها منها بدلاً، وردّه عليه منها عوضا. ثم جعل كلّ معوّض غيره من عمله أو هديته أو يد له سلفت منه إليه مثيبا له. ومنه ثواب الله عزّ وجل عباده على أعمالهم، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له. وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله: {وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ} مما اكتفي بدلالة الكلام على معناه عن ذكر جوابه، وأن معناه: ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا ولكنه استغنى بدلالة الخبر عن المثوبة عن قوله: لأثيبوا. وكان بعض نحويي أهل البصرة ينكر ذلك، ويرى أن جواب قوله: وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا لَمَثُوبَةٌ وأن «لو» إنما أجيبت بالمثوبة، وإن كانت أخبر عنها بالماضي من الفعل لتقارب معناه من معنى «لئن» في أنهما جزاءان، فإنهما جوابان للإيمان، فأدخل جواب كلّ واحدة منهما على صاحبتها، فأجيبت «لو» بجواب «لئن»، و«لئن» بجواب «لو» لذلك وإن اختلفت أجوبتهما فكانت «لو» من حكمها وحظها أن تجاب بالماضي من الفعل، وكانت «لئن» من حكمها وحظها أن تجاب بالمستقبل من الفعل لما وصفنا من تقاربهما، فكان يتأوّل معنى قوله: {وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُوا وَاتّقَوا}: ولئن آمنوا واتقوا، لمثوبة من عند الله خير.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الثواب: هو الجزاء على العمل بالإحسان، وهو منافع مستحقة يقاربها تعظيم وتبجيل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{واتقوا} الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ}.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

المثوبة عند جمهور الناس بمعنى: الثواب والأجر، وهذا هو الصحيح. وقال قوم: معناه الرجعة إلى الله من ثاب يثوب إذا رجع، واللام فيها لام القسم، لأن لام الابتداء مستغنى عنها، وهذه لا غنى عنها، وقوله تعالى: {لو كانوا يعلمون} يحتمل نفي العلم عنهم، ويحتمل أن يراد: لو كانوا يعلمون علماً ينفع...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الضمير عائد إلى اليهود الذين تقدم ذكرهم، فإنه تعالى لما بين فيهم الوعيد بقوله: {ولبئس ما شروا به} أتبعه بالوعد جامعا بين الترهيب والترغيب لأن الجمع بينهما أدعى إلى الطاعة والعدول عن المعصية...

أما قوله تعالى: {آمنوا} فاعلم أنه تعالى لما قال: {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم} ثم وصفهم بأنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين وأنهم تمسكوا بالسحر. قال من بعد: {ولو أنهم آمنوا} يعني بما نبذوه من كتاب الله. فإن حملت ذلك على القرآن جاز، وإن حملته على كتابهم المصدق للقرآن جاز؛ وإن حملته على الأمرين جاز، والمراد من التقوى الاحتراز عن فعل المنهيات وترك المأمورات...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

والإيمان والتقوى: الإيمان التام، والتقوى الجامعة لضروبها، أو الإيمان بمحمد وبما جاء به، وتقوى الكفر والسحر، قولان متقاربان. وفي وصف المثوبة بكونها من عند الله، تفخيم وتعظيم لها، ولمناسبة الإيمان والتقوى. لذلك، كان المعنى: أن الذي آمنتم به واتقيتم محارمه، هو الذي ثوابكم منه على ذلك، فهو المتكفل بذلك لكم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بين ما عليهم فيما ارتكبوه من المضار اتبعه ما في الإعراض عنه من المنافع فقال:

{ولو أنهم آمنوا} أي بما دعوا إليه من هذا القرآن، ومن اعتقاد أن الفاعل في كل شيء إنما هو الله لا السحر...

{واتقوا} ما يقدح في الإيمان من الوقوف مع ما كان حقاً فنسخ من التوراة فصار باطلاً، ومن الإقدام على ما لم يكن حقاً أصلاً من السحر لأثيبوا خيراً مما تركوا، لأن من ترك شيئاً عوضه الله خيراً منه؛ هكذا الجواب ولكنه عبر عنه بما يقتضي الثبوت والدوام والشرف إلى غير ذلك مما تقصر عنه الأذهان من بلاغات القرآن فقال: {لمثوبة} صيغة مفعلة من الثواب وهو الجزاء بالخير، وفي الصيغة إشعار بعلو وثبات -قاله الحرالي. وشرفها بقوله: {من عند الله} الذي له جميع صفات الكمال. وزادها شرفاً بقوله: {خير}، مع حذف المفضل عليه. قاله الحرالي: وسوى بين هذه المثوبة ومضمون الرسالة في كونهما من عند الله تشريفاً لهذه المثوبة وإلحاقاً لها بالنمط العلي من علمه وحكمته ومضاء كلمته -...

وهذه المثوبة عامة لما يحصل في الدنيا والأخرى من الخيرات التي منها ما يعطيه الله لصالحي عباده من التصرف بأسماء الله الحسنى على حسب ما تعطيه مفهوماتها من المنافع، ومن ذلك واردات الآثار ككون الفاتحة شفاء وآية الكرسي حرز من الشيطان ونحو ذلك من منافع القرآن والأذكار...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{لو كانوا يعلمون} أي إنهم في كل ما هم عليه من الأباطيل، ومن زعمهم أنها ترجع إلى الكتاب بضروب من التأويل، يتبعون الظنون ويعتمدون على التقليد، وليسوا على شيء من العلم الصحيح – ولو كانوا يعلمون علما صحيحا لظهر أثره في أعمالهم ولآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوه فكانوا من المفلحين...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون).. وينطبق هذا القول على الذين كانوا يتعلمون السحر من الملكين ببابل، وعلى الذين يتبعون ما تقصه الشياطين عن عهد سليمان وملكه، وهم اليهود الذين ينبذون كتاب الله وراءهم ظهريا، ويتبعون هذا الباطل وهذا الشر الذميم.

وبعد فلا بد من كلمة هنا عن السحر، وعما يفرق بين المرء وزوجه، مما كان أولئك اليهود يجرون خلفه، ويتركون كتاب الله وراء ظهورهم من أجله.. إنه ما يزال مشاهدا في كل وقت أن بعض الناس يملكون خصائص لم يكشف العلم عن كنهها بعد. لقد سمي بعضها بأسماء ولكنه لم يحدد كنهها ولا طرائقها!.. هذا "التيليبياثي "-التخاطر عن بعد- ما هو؟ وكيف يتم؟ كيف يملك إنسان أن يدعو إنسانا على أبعاد وفواصل لا يصل إليها صوت الإنسان في العادة ولا بصره، فيتلقى عنه، دون أن تقف بينهما الفواصل والأبعاد؟...

وهذا التنويم المغنطيسي ما هو وكيف يتم؟ كيف يقع أن تسيطر إرادة على إرادة، وأن يتصل فكر بفكر، فإذا أحدهما يوحي إلى الآخر، وإذا أحدهما يتلقى عن الآخر، كأنما يقرأ من كتاب مفتوح؟...

السحر من قبيل هذه الأمور. وتعليم الشياطين للناس من قبيل هذه الأمور. وقد تكون صورة من صورة: القدرة على الإيحاء والتأثير، إما في الحواس والأفكار، وإما في الأشياء والأجسام.. وإن كان السحر الذي ذكر القرآن وقوعه من سحرة فرعون كان مجرد تخييل لا حقيقة له: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) -ولا مانع أن يكون مثل هذا التأثير وسيلة للتفريق بين المرء وزوجه، وبين الصديق وصديقه. فالانفعالات تنشأ من التأثرات. وإن كانت الوسائل والآثار، والأسباب والمسببات، لا تقع كلها إلا بإذن الله، على النحو الذي أسلفنا.

أما من هما الملكان: هاروت وماروت؟ ومتى كانا ببابل؟ فإن قصتهما كانت متعارفة بين اليهود. بدليل أنهم لم يكذبوا هذه الإشارة ولم يعترضوا عليها. وقد وردت في القرآن الكريم إشارات مجملة لبعض الأحداث التي كانت معروفة عند المخاطبين بها؛ وكان في ذلك الإجمال كفاية لأداء الغرض، ولم يكن هنالك ما يدعو إلى تفصيل أكثر. لأن هذا التفصيل ليس هو المقصود. ولا أحب أن نجري نحن- في ظلال القرآن -خلف الأساطير الكثيرة التي وردت حول قصة الملكين. فليست هنالك رواية واحدة محققة يوثق بها. ولقد مضى في تاريخ البشرية من الآيات والابتلاءات ما يناسب حالتها وإدراكها في كل طور من أطوارها. فإذا جاء الاختيار في صورة ملكين- أو في صورة رجلين طيبين كالملائكة -فليس هذا غريبا ولا شاذا بالقياس إلى شتى الصور وشتى الابتلاءات الخارقة، التي مرت بها البشرية وهي تحبو، وهي تخطو، وهي تقفو أشعة الشعلة الإلهية المنيرة في غياهب الليل البهيم! والمفهومات الواضحة المحكمة في هذه الآيات تغني عن السعي وراء المتشابه فيها بالقياس إلينا بعد ذلك الزمن المديد. وحسبنا أن نعلم منها ضلال بني إسرائيل في جريهم وراء الأساطير، ونبذهم كتاب الله المستيقن، وأن نعرف أن السحر من عمل الشيطان؛ وأنه من ثم كفر يدان به الإنسان، ويفقد به في الآخرة كل نصيب وكل رصيد...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

يفتح الله جل جلاله أمام عباده أبواب التوبة والرحمة. لقد بين لهم أن السحر كفر، وإن من يقوم به يبعث كافرا يوم القيامة ويخلد في النار..

وقال لهم سبحانه وتعالى لو أنهم امتنعوا عن تعلم السحر ليمتازوا به على من سواهم امتيازا في الضرر والإيذاء.. لكان ذلك خيرا لهم عند الله تبارك وتعالى.. لأن الملكين اللذين نزلا لتعليم السحر قال الله سبحانه عنهما: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}. إذن فممارسة السحر كفر. فلو أنهم آمنوا بهذه القضية وبأنهم يدخلون في الكفر، واتقوا الله لكان ذلك ثوابا لهم عند الله وخيراً في الدنيا والآخرة..

ولكن ما هي المثوبة؟ هي الثواب على العمل الصالح.. يقابلها العقوبة وهي العقاب على العمل السيئ.. وهي مشتقة من ثاب أي رجع.. ولذلك يسمى المبلغ عن الإمام في الصلاة المثوب.. لأن الإمام يقول الله أكبر فيرددها المبلغ عن الإمام بصوت عال حتى يسمعها المصلون الذين لا يصلهم صوت الإمام.. وهذا اسمه التثويب.. أي إعادة ما يقوله الإمام لتزداد فرصة الذين لم يسمعوا ما قاله الإمام.. وكما قلنا فهي مأخوذة من ثاب أي رجع.. لأن الإنسان عندما يعمل صالحا يرجع عليه عمله الصالح بالخير.. فلا تعتقد أن العمل الصالح يخرج منك ولا يعود.. ولكنه لابد أن يعود عليك بالخير.

قوله تعالى: {لمثوبة من عند الله خير}.. انظر إلى المثوبة التي تأتي من عند الله.. إذا كان الثواب يأتيك من عند من صنعه جميلا مزركشا وله ألوان مبهجة.. إذا كان هذا ما صنعه لك بشر فما بالك بالثواب الذي يأتيك من عند الله. إنه قمة الجمال. فالله هو القادر على أن يرد الثواب بقدراته سبحانه فيكون الرد عاليا وعاليا جدا، بحيث يضاعف الثواب مرات ومرات.

على أننا لابد أن نتنبه إلى قول الله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} قلنا معنى اتقوا أنهم جعلوا بينهم وبين صفات الجلال في الله وقاية.. ولذلك قلنا إن بعض الناس يتساءل.. كيف يقول الله تبارك وتعالى: {اتقوا الله}.. ويقول جل جلاله: {اتقوا النار}.. نقول إن معنى اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية: {واتقوا النار}.. أي اجعلوا بينكم وبين عذاب النار وقاية.. لأن النار من متعلقات صفات الجلال.. لذلك فإن قوله: {اتقوا الله}.. تساوي:"اتقوا النار".. والحق تبارك وتعالى حينما قال: {اتقوا} أطلقها عامة.. والحذف هنا المراد به التعميم.. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن السحرة لو آمنوا بأن تعلم السحر فتنة تؤدي إلى الكفر.. واتقوا الله وخافوا عذابه في الآخرة لكان ذلك خيراً لهم.. لذلك قال جل جلاله: {لمثوبة من عند الله خير}..

وساعة تسمع كلمة خير تأتي إلى الذهن كلمة شر.. لأن الخير يقابله الشر.. ولكن في بعض الأحيان كلمة خير لا يقابلها شر. ولكن يقابلها خير أقل. وكلمة خير هي الوحيدة في اللغة العربية التي يساوي الاسم فيها أفعل التفضيل.. فأنت تقول هذا فاضل وهذا مفضول عليه.. كلمة خير اسم تفضيل فيقال ذلك خير من كذا.. أي واحد منهما يعطي أكثر من الآخر.. وكلمة خير إذا لم يأت مقابلها أي خير من كذا يكون مقابلها شر.. فإذا قلت فلان خير من فلان.. فكلاهما اشترك في الخير ولكن بدرجة مختلفة.. والخير هو ما يأتي لك بالنفع.. ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس.. واحد ينظر إلى النفع العاجل وآخر ينظر إلى النفع الآجل.. وفي ظاهر الأمر كل منهما أراد خيرا. إذن كل الناس يحبون الخير ولكن نظرتهم ومقاييسهم تختلف.. فمنهم من يريد متعة اليوم، ومنهم من يعمل لأجل متعة الغد.. والله تبارك وتعالى حين يأمرنا بالخير.. قد يكون الخير متعبا للجسد والنفس.. ولكن النهاية متاع أبدي في جنة الخلد.

إذن فالخير الحقيقي هو ما جاء به الشرع...

قوله تعالى: {لو كانوا يعلمون}.. الله ينفي عنهم العلم بينما في الآية السابقة أثبت لهم العلم في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق}.. نقول إن العلم الذي لا يخضع حركة الإنسان له فكأنه لم يعلم شيئا.. لأن هذا العلم سيكون حجة على صاحبه يوم القيامة وليته لم يعلمه.. واقرأ قول الشاعر: رزقوا وما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا وما رزقوا خلقوا وما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا وما خلقوا. فكأن العلم لم يثبت لك لأنك لم تنتفع به.. والله سبحانه وتعالى يقول: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (من الآية 6 سورة الروم). {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا..} وهكذا نفى الله عن الناس العلم الحقيقي.. وأثبت لهم العلم الدنيوي الظاهر.. وقوله جل جلاله: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين "5 "} (سورة الجمعة). أي أنهم حملوا التوراة علما ولكنهم لم يحملوها منهجا وعملا.. وهؤلاء السحرة علموا أن من يمارس السحر يكفر.. ومع ذلك لم يعملوا بما عملوا.