معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

قوله تعالى : { وما أنفقتم من نفقة } . فيما فرض الله عليكم .

قوله تعالى : { أو نذرتم من نذر } . أي : ما أوجبتموه أنتم على أنفسكم في طاعة الله فوفيتم به .

قوله تعالى : { فإن الله يعلمه } . يحفظه حتى يجازيكم به ، وإنما قال : يعلمه ، ولم يقل : يعلمها ، لأنه رده إلى الآخر منهما كقوله تعالى : ( ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً ) ، وإن شئت حملته على " ما " كقوله : ( وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ) ولم يقل بهما .

قوله تعالى : { وما للظالمين } . الواضعين الصدقة في غير موضعها بالرياء ، أو يتصدقون من الحرام .

قوله تعالى : { من أنصار } . من أعوان يدفعون عذاب الله عنهم ، وهي جمع نصير ، مثل : شريف وأشراف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

وهذا فيه المجازاة على النفقات ، واجبها ومستحبها ، قليلها وكثيرها ، التي أمر الله بها ، والنذور التي ألزمها المكلف نفسه ، وإن الله تعالى يعلمها فلا يخفى عليه منها شيء ، ويعلم ما صدرت عنه ، هل هو الإخلاص أو غيره ، فإن صدرت عن إخلاص وطلب لمرضاة الله جازى عليها بالفضل العظيم والثواب الجسيم ، وإن لم ينفق العبد ما وجب عليه من النفقات ولم يوف ما أوجبه على نفسه من المنذورات ، أو قصد بذلك رضى المخلوقات ، فإنه ظالم قد وضع الشيء في غير موضعه ، واستحق العقوبة البليغة ، ولم ينفعه أحد من الخلق ولم ينصره ، فلهذا قال : { وما للظالمين من أنصار }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

261

بعد ذلك نعود مع السياق إلى الصدقة . . إن الله يعلم كل ما ينفقه المنفق . . صدقة كان أم نذرا . وسرا كان أم جهرا . ومن مقتضى علمه أنه يجزي على الفعل وما وراءه من النية :

( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه . وما للظالمين من أنصار . إن تبدوا الصدقات فنعما هي ، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ؛ ويكفر عنكم من سيئاتكم ، والله بما تعملون خبير ) . .

والنفقة تشمل سائر ما يخرجه صاحب المال من ماله : وزكاة أو صدقة أو تطوعا بالمال في جهاد . . والنذر نوع من أنواع النفقة يوجبه المنفق على نفسه مقدرا بقدر معلوم . والنذر لا يكون لغير الله ولوجهه وفي سبيله . فالنذر لفلان من عباده نوع من الشرك ، كالذبائح التي كان يقدمها المشركون لآلهتهم وأوثانهم في شتى عصور الجاهلية .

( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ) . .

وشعور المؤمن بأن عين الله - سبحانه - على نيته وضميره ، وعلى حركته وعمله . . يثير في حسه مشاعر حية متنوعة ؛ شعور التقوى والتحرج أن يهجس في خاطره هاجس رياء أو تظاهر ، وهاجس شح أو بخل ، وهاجس خوف من الفقر أو الغبن . وشعور الاطمئنان على الجزاء والثقة بالوفاء . وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق مما أعطاه . .

فأما الذي لا يقوم بحق النعمة ؛ والذي لا يؤدي الحق لله ولعباده ؛ والذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله إياه . . فهو ظالم . ظالم للعهد ، وظالم للناس ، وظالم لنفسه :

( وما للظالمين من أنصار ) . .

فالوفاء عدل وقسط . والمنع ظلم وجور . والناس في هذا الباب صنفان : مقسط قائم بعهد الله معه إن أعطاه النعمة وفى وشكر . وظالم ناكث لعهد الله ، لم يعط الحق ولم يشكر . . ( وما للظالمين من أنصار ) . .

/خ274

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مّن نّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مّن نّذْرٍ فَإِنّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

يعني بذلك جل ثناؤه : وأيّ نفقة أنفقتم ، يعني أيّ صدقة تصدقتم ، أو أيّ نذر نذرتم يعني بالنذر : ما أوجبه المرء على نفسه تبرّراً في طاعة الله ، وتقرّباً به إليه ، من صدقة أو عمل خير ، فَانّ اللّهَ يَعْلَمُهُ أي أن جميع ذلك بعلم الله ، لا يعزب عنه منه شيء ، ولا يخفى عليه منه قليل ولا كثير ، ولكنه يحصيه أيها الناس عليكم حتى يجازيكم جميعكم على جميع ذلك ، فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من نفسه ، جازاه بالذي وعده من التضعيف ومن كانت نفقته وصدقته رياء الناس ونذروه للشيطان جازاه بالذي أوعده من العقاب وأليم العذاب . كالذي :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : وَما أنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَانّ اللّهَ يَعْلَمُهُ ويحصيه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

ثم أوعد جل ثناؤه من كانت نفقته رياء ونذوره طاعة للشيطان ، فقال : وَما للظّالِمِينَ مِنْ أنْصَارٍ يعني : وما لمن أنفق ماله رياء الناس وفي معصية الله ، وكانت نذوره للشيطان وفي طاعته ، مِنْ أنْصَارٍ . وهم جمع نصير ، كما الأشراف جمع شريف . ويعني بقوله : مِنْ أنْصَارٍ من ينصرهم من الله يوم القيامة ، فيدفع عنهم عقابه يومئذٍ بقوّة وشدّة بط5 ولا بفدية . وقد دللنا على أن الظالم : هو الواضع للشيء في غير موضعه . وإنما سمى الله المنفق رياء الناس ، والناذر في غير طاعته ظالماً ، لوضعه إنفاق ماله في غير موضعه ونذره في غير ماله وضعه فيه ، فكان ذلك ظلمه .

فإن قال لنا قائل : فكيف قال : فَإنّ اللّهَ يَعْلَمُهُ ولم يقل : يعلمهما ، وقد ذكر النذر والنفقة ؟ قيل : إنما قال : فَانّ اللّهَ يَعْلَمَهُ لأنه أراد : فإن الله يعلم ما أنفقتم أو نذرتم ، فلذلك وحدّ الكناية .