النذر : تقدّمت مادّته في قوله : { أأنذرتهم أم لم تنذرهم } وهو عقد الإنسان ضميره على فعل شيء والتزامه .
نذر ينذر وينذر ، بضم الذال وكسرها ، وكانت النذور من سيرة العرب يكثرون منها فيما يرجون وقوعه ، وكانوا أيضاً ينذرون قتل أعدائهم كما قال الشاعر :
وأما على ما ينطلق شرعاً فسيأتى بيانه إن شاء الله .
{ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فان الله يعلمه } ظاهره العموم في كل صدقة في سبيل الله ، أو سبيل الشيطان ، وكذلك النذر عام في طاعة الله أو معصيته ، وأتى بالمميز في قوله : من نفقة ، و : من نذر ، وإن كان مفهوماً من قوله : وما أنفقتم ، ومن قوله : أو نذرتم ، من نذر ، لتأكيد اندراج القليل والكثير في ذلك ، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ، وقيل : تختص النفقة بالزكاة لعطف الواجب عليه وهو النذر ، والنذر على قسمين : محرم وهو كل نذر في غير طاعة الله ، ومعظم نذور الجاهلية كانت على ذلك ؛ ومباح مشروط وغير مشروط ، وكلاهما مفسر ، نحو : إن عوفيت من مرض كذا فعليّ صدقة دينار ، ونحو : لله علي عتق رقبة .
وغير مفسر ، نحوه إن عوفيت فعليّ صدقة أو نذر ، وأحكام النذر مذكورة في كتب الفقه .
قال مجاهد معنى : يعلمه ، يحصيه ، وقال الزجاج : يجازي عليه ، وقيل : يحفظه .
وتضمنت هذه الآية وعداً ووعيداً بترتيب علم الله على ما أنفقوا أو نذروا ، و : من نفقة ، و : من نذر ، تقدم نظائرها في الإعراب فلا تعاد ، وفي قوله : من نذر ، دلالة على حذف موصول قبل قوله : نذرتم ، تقديره : أو ما نذرتم من نذر ، لأن : من نذر ، تفسير وتوضيح لذلك المحذوف ، وحذف ذلك للعلم به ، ولدلالة ما في قوله : وما أنفقتم ، عليه ، كما حذف ذلك في قوله :
التقدير : ومن يمدحه ، فحذفه لدلالة : من ، المتقدمة عليه ، وعلى هذا الذي تقرر من حذف الموصول ، فجاء الضمير مفرداً في قوله : { فإن الله يعلمه } ، لأن العطف بأو ، وإذا كان العطف بأو كان الضمير مفرداً ، لأن المحكوم عليه هو أحدهما ، وتارة يراعى به الأول في الذكر ، نحو : زيد أو هند منطلق ، وتارة يراعى به الثاني نحو : زيد أو هند منطلقة .
وأما أن يأتي مطابقاً لما قبله في التثنية أو الجمع فلا ، ولذلك تأوّل النحويون قوله تعالى : { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } بالتأويل المذكور في علم النحو ، وعلى المهيع الذي ذكرناه ، جاء قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } وقوله تعالى : { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً } كما جاء في هذه الآية { فإن الله يعلمه } ولما عزبت معرفة هذه الأحكام عن جماعة ممن تكلم في تفسير هذه الآية ، جعلوا إفراد الضمير مما يتأوّل ، فحكي عن النحاس أنه قال : التقدير : وما أنفقتم من نفقة فان الله يعلمها ، أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه .
{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها } وقوله { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة } وقول الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ، ووالدي***
التقدير : نحن بما عندنا راضون ، وكنت منه بريئاً ، ووالدي بريئاً . انتهى .
قال ابن عطية : ووحد الضمير في يعلمه ، وقد ذكر شيئين من حيث أراد ما ذكر أو نص . انتهى .
وقال القرطبي : وهذا حسن ، فإن الضمير يراد به جميع المذكور ، وإن كثر انتهى .
وقد تقدّم لنا ذكر حكم أو ، وهي مخالفة للواو في ذلك ، ولا يحتاج لتأويل ابن عطية لأنه جاء على الحكم المستقر في لسان العرب في : أو .
{ وما للظالمين من أنصار } ظاهره العموم ، فكل ظالم لا يجد له من ينصره ويمنعه من الله ، وقال مقاتل : هم المشركون .
وقال أبو سليمان الدمشقي : هم المنفقون بالمن والأذى والرياء ، والمبذورن في المعصية .
والأنصار : الأعوان جمع نصير ، كحبيب وأحباب ، وشريف وأشراف .
أو : ناصر ، كشاهد وأشهاد ، وجاء جمعاً باعتبار أن ما قبله جمع ، كما جاء : { وما لهم من ناصرين } والمفرد يناسب المفرد نحو : { مالك من الله من ولي ولا نصير } لا يقال : انتفاء الجمع لا يدل على انتفاء المفرد ، لأن ذلك في معرض نفي النفع والإغناء ، وحصول الاستعانة ، فإذا لم يجدِ الجمع ولم يغنِ ، فأحرى أن لا يجدي ولا يغني الواحد .
ولما بيَّن تعالى فضل الإنفاق في سبيله وحث عليه ، وحذرنا من الجنوح إلى نزغات الشيطان ، وذكرنا بوعد الله الجامع لسعادة الآخرة والدنيا من المغفرة والفضل ، وبين أن هذا الأمر والفرق بين الوعدين لا يدركه إلاَّ من تخصص بالحكمة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده ، رجع إلى ذكر النفقة والحث عليها ، وأنها موضوعة عند من لا ينسى ولا يسهو ، وصار ذكر الحكمة مع كونه متعلقاً بما تقدم كالاستطراد ، والتنويه بذكرها ، والحث على معرفتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.