في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

261

بعد ذلك نعود مع السياق إلى الصدقة . . إن الله يعلم كل ما ينفقه المنفق . . صدقة كان أم نذرا . وسرا كان أم جهرا . ومن مقتضى علمه أنه يجزي على الفعل وما وراءه من النية :

( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه . وما للظالمين من أنصار . إن تبدوا الصدقات فنعما هي ، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ؛ ويكفر عنكم من سيئاتكم ، والله بما تعملون خبير ) . .

والنفقة تشمل سائر ما يخرجه صاحب المال من ماله : وزكاة أو صدقة أو تطوعا بالمال في جهاد . . والنذر نوع من أنواع النفقة يوجبه المنفق على نفسه مقدرا بقدر معلوم . والنذر لا يكون لغير الله ولوجهه وفي سبيله . فالنذر لفلان من عباده نوع من الشرك ، كالذبائح التي كان يقدمها المشركون لآلهتهم وأوثانهم في شتى عصور الجاهلية .

( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ) . .

وشعور المؤمن بأن عين الله - سبحانه - على نيته وضميره ، وعلى حركته وعمله . . يثير في حسه مشاعر حية متنوعة ؛ شعور التقوى والتحرج أن يهجس في خاطره هاجس رياء أو تظاهر ، وهاجس شح أو بخل ، وهاجس خوف من الفقر أو الغبن . وشعور الاطمئنان على الجزاء والثقة بالوفاء . وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق مما أعطاه . .

فأما الذي لا يقوم بحق النعمة ؛ والذي لا يؤدي الحق لله ولعباده ؛ والذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله إياه . . فهو ظالم . ظالم للعهد ، وظالم للناس ، وظالم لنفسه :

( وما للظالمين من أنصار ) . .

فالوفاء عدل وقسط . والمنع ظلم وجور . والناس في هذا الباب صنفان : مقسط قائم بعهد الله معه إن أعطاه النعمة وفى وشكر . وظالم ناكث لعهد الله ، لم يعط الحق ولم يشكر . . ( وما للظالمين من أنصار ) . .

/خ274