فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ} (270)

وما انفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار 270 إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير 271

( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ) ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي الذي أنفقتموه ، وهذا بيان لحكم كلي عام يشمل كل صدقة مقبولة وغير مقبولة ، وكل نذر مقبول وغير مقبول ، وفيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول ، والوعيد لمن جاء بعكس ذلك .

ووحد الضمير مع كونه مرجعه شيئين هما النفقة والنذر لأن التقدير : وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ، ثم حذف أحدهما استغناء بالآخر ، قاله النحاس .

وقيل إنما كان العطف فيه بكلمة " أو " كما في قولك زيد أو عمرو ، فإنه يقال أكرمته ولا يقال أكرمتهما .

والأولى ان يقال إن العطف بأو يجوز فيه الأمران : توحيد الضمير كما في هذه الآية وفي قوله تعالى ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا أنفضوا إليها ) وقوله ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ) وتثنيته كما في قوله تعالى ( إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) .

ومن الأول في العطف بالواو قوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) .

وقيل إذا وحد الضمير بعد ذكر شيئين أو أشياء فهو بتأويل المذكور أي فإن الله يعلم المذكور ، وبه جزم ابن عطية ورجحه القرطبي ، وذكر معناه كثير من النحاة في مؤلفاتهم .

( وما للظالمين ) أنفسهم بما وقعوا فيه من الإثم بمخالفة ما أمر الله به من الانفاق في وجوه الخير ( من أنصار ) ينصرونهم ويمنعونهم من عقاب الله بما ظلموا به أنفسهم ، والأولى الحمل على العموم من غير تخصيص بما يفيده السياق أي ما للظالمين بأي مظلمة كانت من أنصار .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نذر الطاعة والمعصية في الصحيح وغيره ما هو معروف كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا نذر في معصية الله " {[279]} وقوله : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " {[280]} وقوله : " النذر ما ابتغى به وجه الله " {[281]} وثبت عنه في كفارة النذر ما هو معروف .


[279]:صحيح الجامع 7422/مسلم78/79.
[280]:صحيح الجامع 6441.
[281]:روى بمعناه النسائي عن عمران بن حصين.