معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

{ وكذلك يجتبيك ربك } ، يصطفيك ربك يقوله يعقوب ليوسف عليهما السلام أي : كما رفع منزلتك بهذه الرؤيا ، فكذلك يصطفيك ربك ، { ويعلمك من تأويل الأحاديث } ، يريد تعبير الرؤيا ، سمي تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه ، والتأويل ما يؤول إلى عاقبة الأمر ، { ويتم نعمته عليك } ، يعني : بالنبوة ، { وعلى آل يعقوب } ، أي : على أولاده فإن أولاده كلهم كانوا أنبياء ، { كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق } ، فجعلهما نبيين ، { إن ربك عليم حكيم } . وقيل : المراد من إتمام النعمة على إبراهيم الخلة . وقيل : إنجاؤه من النار ، وعلى إسحاق إنجاؤه من الذبح . وقيل : بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصير أبويه وإخوته إليه أربعون سنة ، وهو قول أكثر أهل التفسير . وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة . فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا : ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه فبغوه وحسدوه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ْ } أي : يصطفيك ويختارك بما يمنُّ به عليك من الأوصاف الجليلة والمناقب الجميلة ، . { وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ْ } أي : من تعبير الرؤيا ، وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة ، كالكتب السماوية ونحوها ، { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ْ } في الدنيا والآخرة ، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ْ } حيث أنعم الله عليهما ، بنعم عظيمة واسعة ، دينية ، ودنيوية .

{ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ } أي : علمه محيط بالأشياء ، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره ، فيعطي كلا ما تقتضيه حكمته وحمده ، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

ويعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وقد أحس من رؤيا ابنه يوسف أن سيكون له شأن ، يتجه خاطره إلى أن هذا الشأن في وادي الدين والصلاح والمعرفة ؛ بحكم جو النبوة الذي يعيش فيه ، وما يعلمه من أن جده إبراهيم مبارك من الله هو وأهل بيته المؤمنون . فتوقع أن يكون يوسف هو الذي يختار من أبنائه من نسل إبراهيم لتحل عليه البركة وتتمثل فيه السلسلة المباركة في بيت إبراهيم . فقال له :

( وكذلك يجتبيك ربك ، ويعلمك من تأويل الأحاديث ، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ، كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ، إن ربك عليم حكيم ) .

واتجاه فكر يعقوب إلى أن رؤيا يوسف تشير إلى اختيار الله له ، وإتمام نعمته عليه وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحاق [ والجد يقال له أب ] . . هذا طبيعي . ولكن الذي يستوقف النظر قوله :

( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) . .

والتأويل هو معرفة المآل . فما الأحاديث ؟ . أقصد يعقوب أن الله سيختار يوسف ويعلمه ويهبه من صدق الحس ونفاذ البصيرة ما يدرك به من الأحاديث مآلها الذي تنتهي إليه ، منذ أوائلها . وهو إلهام من الله لذوي البصائر المدركة النافذة ، وجاء التعقيب :

( إن ربك عليم حكيم ) . .

مناسبا لهذا في جو الحكمة والتعليم ؟ أم قصد بالأحاديث الرؤى والأحلام كما وقع بالفعل في حياة يوسف فيما بعد ؟

كلاهما جائز ، وكلاهما يتمشى مع الجو المحيط بيوسف ويعقوب .

وبهذه المناسبة نذكر كلمة عن الرؤى والأحلام وهي موضوع هذه القصة وهذه السورة .

إننا ملزمون بالأعتقاد بأن بعض الرؤى تحمل نبوءات عن المستقبل القريب أو البعيد . ملزمون بهذا أولا من ناحية ما ورد في هذه السورة من وقوع مصداق رؤيا يوسف ، ورؤيا صاحبيه في السجن ، ورؤيا الملك في مصر . وثانيا من ناحية ما نراه في حياتنا الشخصية من تحقق رؤى تنبؤية في حالات متكررة بشكل يصعب نفي وجوده . . لأنه موجود بالفعل ! . .

والسبب الأول يكفي . . ولكننا ذكرنا السبب الثاني لأنه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها إلا بتعنت . . فما هي طبيعة الرؤيا ؟

تقول مدرسة التحليل النفسي : إنها صور من الرغبات المكبوتة تتنفس بها الأحلام في غياب الوعي .

وهذا يمثل جانبا من الأحلام . ولكنه لا يمثلها كلها . [ وفرويد ] ذاته - على كل تحكمه غير العلمي وتمحله في نظريته - يقرر أن هناك أحلاما تنبؤية .

فما طبيعة هذه الأحلام التنبؤية ؟

وقبل كل شيء نقرر أن معرفة طبيعتها أو عدم معرفته لا علاقة له بإثبات وجودها وصدق بعضها . إنما نحن نحاول فقط أن ندرك بعض خصائص هذا المخلوق البشري العجيب ، وبعض سنن الله في هذا الوجود .

ونحن نتصور طبيعة هذه الرؤى على هذا النحو . . إن حواجز الزمان والمكان هي التي تحول بين هذا المخلوق البشري وبين رؤية ما نسميه الماضي أو المستقبل ، أو الحاضر المحجوب . وأن ما نسميه ماضيا أو مستقبلا إنما يحجبه عنا عامل الزمان ، كما يحجب الحاضر البعيد عنا عامل المكان . وأن حاسة ما في الإنسان لا نعرف كنهها تستيقظ أو تقوى في بعض الأحيان ، فتتغلب على حاجز الزمان وترى ما وراءه في صورة مبهمة ، ليست علما ولكنها استشفاف ، كالذي يقع في اليقظة لبعض الناس ، وفي الرؤى لبعضهم ، فيتغلب على حاجز المكان أو حاجز الزمان ، أو هما معا في بعض الأحيان . وإن كنا في نفس الوقت لا نعلم شيئا عن حقيقة الزمان . كما أن حقيقة المكان ذاتها - وهي ما يسمى بالمادة - ليست معلومة لنا على وجه التحقيق : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) !

على أية حال لقد رأى يوسف رؤياه هذه ، وسنرى فيما بعد ما يكون تأويل الرؤيا .