فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

قوله : { وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من سجود الكواكب والشمس والقمر يجتبيك ربك ، ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا ، فيجعلك نبياً ، ويصطفيك على سائر العباد ، ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التي رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك . قال النحاس : والاجتباء : أصله من جبيت الشيء حصلته ، ومنه جبيت الماء في الحوض جمعته ، ومعنى الاجتباء : الاصطفاء ، وهذا يتضمن الثناء على يوسف ، وتعديد نعم الله عليه ، ومنها : { وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث } أي : تأويل الرؤيا .

قال القرطبي : وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا ، وقد كان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها . وقيل المراد : ويعلمك من تأويل أحاديث الأمم والكتب . وقيل المراد به : إحواج إخوته إليه . وقيل : إنجاؤه من كل مكروه ، وقيل : إنجاؤه من القتل خاصة .

{ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } فيجمع لك بين النبوة والملك ، كما تدل عليه هذه الرؤيا التي أراك الله ، أو يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة { وعلى ءالِ يَعْقُوبَ } وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم ، وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر ، من النعم التي من جملتها كون الملك فيهم ، مع كونهم أنبياء { كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ } أي : إتماماً مثل إتمامها على أبويك : وهي نعمة النبوّة عليهما ، مع كون إبراهيم اتخذه الله خليلاً ، ومع كون إسحاق نجاه الله سبحانه من الذبح وصار لهما الذرية الطيبة وهم : يعقوب ، ويوسف ، وسائر الأسباط . ومعنى { مِن قَبْلُ } من قبل هذا الوقت الذي أنت فيه ، أو من قبلك ، وإبراهيم وإسحق عطف بيان لأبويك ، وعبر عنهما بالأبوين مع كون أحدهما جداً وهو إبراهيم ؛ لأن الجدّ أب ، { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ } بكل شيء { حَكِيمٌ } في كل أفعاله . والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها تعليلاً له ، أي فعل ذلك لأنه عليم حكيم ، وكان هذا كلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيراً لرؤياه على طريق الإجمال ، أو علم ذلك من طريق الوحي ، أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل اليوسفية .

/خ6