غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

1

ثم إنه وصل بهذه النصيحة شيئاً من تعبير رؤياه فقال :{ وكذلك } أي ومثل اجتبائك لهذه الرؤيا الشريفة { يجتبيك ربك } لأمور عظام . والاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك ، وجبيت الماء في الحوض جمعته ، وخصص الحسن الاجتباء بالنبوة . قال في الكشاف { ويعلمك } كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل : وهو يعلمك ويتم نعمته عليك . أقول : ولعل إدخاله في حكم التشبيه ليس بضائر . وفي { تأويل الأحاديث } وجوه منها : أنه تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم ، سمى التعبير تأويلاً لأنه يؤول أمره إلى ما رآه في المنام أو يؤول أمر ما رآه في المنام إلى ذلك . والأحاديث اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة لأنها التي يتحدث بها الناس . ومنها أنه تبيين معاني كتب الله وسنن الأنبياء لأن المفسر والمحدّث يحدّثان عن الله ورسوله فيقولان : قال الله كذا وقال الرسول كذا . ومنها أن الحديث بمعنى الحادث والمراد كيفية الاستدلال بالحادث على القديم سبحانه . وأما إتمام النعمة فيمن فسر الاجتباء بالنبوة فسر الإتمام بالسعادات الدنيوية والأخروية من المال والجاه والعلوم والأخلاق الفاضلة ، ومن فسر ذلك بالدرجات العالية فسر هذا بالنبوة لأن التمام المطلق في حق البشر ليس إلا بالنبوة ، ولأن إتمام النعمة عليه مشبه بإتمامها على إبراهيم وإسحق ، ومن المعلوم أن الامتياز بينهما وبين أقرانهما لم يكن إلا بالنبوة وقد يفسر إتمام النعمة على إبراهيم بالخلة والإنجاء من النار ومن ذبح الولد ، وعلى إسحق بإنجائه من الذبح وفدائه بذبح عظيم وبإخراج يعقوب والأسباط من صلبه ، ويكون وجه التشبيه إنجاءه من السجن والمحن كإنجائهما من النار والذبح .

والمراد بآل يعقوب نسله قيل : علم يعقوب أن يوسف وإخوته أنبياء استدلالاً بضوء الكواكب . واعترض بما فرط منهم في حق يوسف . وأجيب بأن ذلك قبل النبوة . وقيل : إتمام النعمة وصل نعمة الدنيا بنعم الآخرة وذلك أنه جعلهم ملوكاً وأنبياء و { إبراهيم وإسحاق } عطف بيان لأبويك لأن أبا الجد في حكم الأب { إن ربك عليم } بمن يستحق الاجتباء { حكيم } لا يضع الشيء إلا في موضعه فلا يجعل الرسالة إلا في نفس قدسية وجوهر مشرق . قيل : حكم يعقوب بوقوع هذه الأمور دليل على جزمه بها فكيف خاف بعدها على يوسف حتى قال : { وأخاف أن يأكله الذئب } ؟ والجواب لعل جزمه بذلك كان مشروطاً بعدم كيد إخوته ، ولعل قوله : { أخاف أن يأكله الذئب } كيلا يتهاونوا في حفظه فإن للوسائط والأسباب مدخلاً عظيماً في وجود الأشياء وحصولها .

/خ20