فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

{ وكذلك } أي ومثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في المنام وشاهدت آثاره في عالم المثال من سجود تلك الأجرام العلوية النيرة لك والدال على شرف وعز وكمال نفس وبحسبه وعلى وفقه { يجتبيك ربك } ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا فيجعلك ويصطفيك على سائر العباد ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التي رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك .

قال النحاس : الاجتباء أصله من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك ومنه جبيت الماء في الحوض جمعته ومعنى الاجتباء الاصطفاء واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي تحصل منه أنواع المكرمات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء وببعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه ومنها .

{ ويعلمك من تأويل الأحاديث } أي تأويل الرؤيا قال مجاهد : عبارة الرؤيا وقال ابن زيد : تأويل العلم والحلم وكان يوسف من أعبر الناس وسمى الرؤيا أحاديث لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث الشيطان إن كانت كاذبة قال القرطبي : وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا وقد كان يوسف أعلم الناس بتأويلها .

وقيل المراد بتأويل الأحاديث الأمم السالفة والكتب المنزلة قاله الزجاج وقيل المراد به إحواج أخوته إليه وقيل إنجاؤه من كل مكروه وقيل إنجاؤه من القتل خاصة والأحاديث جمع تكسير فقيل لواحد ملفوظ به وهو حديث ولكنه شذ جمعه على أحاديث وله نظائر في الشذوذ كأباطيل وأفاظيع وأعاريض في باطل وفظيع وعريض وزعم أبو زيد أن لها واحدا مقدرا وهو أحدوثة ونحوه وليس باسم جمع لأن هذه الصيغة مختصة بالتكسير وإذا كانوا قد التزموا ذلك فيما لو يصرح له بمفرد من لفظه نحو عباديد وشماطيط وأبابيل ففي أحاديث أولى قاله السمين .

{ ويتم نعمته عليك } فيجمع لك بين النبوة والملك كما تدل عليه هذه الرؤيا التي أراك الله أو يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة { وعلى آل يعقوب } وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم التي من جملتها كون الملك فيهم مع كونهم أنبياء وبه قال أكثر المفسرين .

{ كما أتمها على أبويك } أي إتماما مثل إتمامها عليهما وهي نعمة النبوة عليهما مع كون إبراهيم اتخذه الله خليلا ومع كون إسحاق نجاه الله سبحانه من الذبح قاله عكرمة وصار لهما الذرية الطيبة وهم يعقوب ويوسف وسائر الأسباط { من قبل } أي من قبل هذا الوقت الذي أنت فيه أو من قبلك { إبراهيم وإسحاق } عطف بيان لأبويك أو بدل منه أو على إضمار أعني وعبر عنهما بالأبوين مع كونهما أبا جده وأبا أبيه للإشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء الكرام { إن ربك عليم } بمصالح خلقه { حكيم } في أفعاله والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها تعليلا له أي فعل ذلك لأنه عليم حكيم إشارة إلى قوله تعالى الله أعلم حيث رسالته وأنه لا يضع النبوة إلا في نفس قدسية .

وكان هذا الكلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيرا لرؤياه على طريق الإجمال أو علم ذلك من طريق الوحي ، أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل اليوسفية .