معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

قوله تعالى : { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } يعني : المؤمنين والكفار . وقيل : العلماء والجهال . { إن الله يسمع من يشاء } حتى يتعظ ويجيب ، { وما أنت بمسمع من في القبور } يعني : الكفار ، شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

فلا يستوي المؤمن والكافر ، ولا المهتدي والضال ، ولا العالم والجاهل ، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار ، ولا أحياء القلوب وأمواتها ، فبين هذه الأشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى ، فإذا علمت المراتب ، وميزت الأشياء ، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده ، فليختر الحازم لنفسه ، ما هو أولى به وأحقها بالإيثار .

{ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ } سماع فهم وقبول ، لأنه تعالى هو الهادي الموفق { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } أي : أموات القلوب ، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا ، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا ، ولكن وظيفتك النذارة ، وإبلاغ ما أرسلت به ، قبل منك أم لا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

15

ولن يستوي عند الله الإيمان والكفر ، والخير والشر ، والهدى والضلال ؛ كما لا يستوي العمى والبصر ، والظلمة والنور ، والظل والحرور ، والحياة والموت ، وهي مختلفة الطبائع من الأساس :

وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور . وما يستوي الأحياء ولا الأموات . .

وبين طبيعة الكفر وطبيعة كل من العمى والظلمة والحرور والموت صلة . كما أن هناك صلة بين طبيعة الإيمان وطبيعة كل من النور والبصر والظل والحياة . .

إن الإيمان نور ، نور في القلب ونور في الجوارح ، ونور في الحواس . نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد . فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور الله ، فيرى تلك الحقائق ، ويتعامل معها ، ولا يخبط في طريقه ولا يلطش في خطواته !

والإيمان بصر ، يرى . رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة . ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان .

والإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب ، ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل !

والإيمان حياة . حياة في القلوب والمشاعر . حياة في القصد والاتجاه . كما أنه حركة بانية . مثمرة . قاصدة . لا خمود فيها ولا همود . ولا عبث فيها ولا ضياع .

والكفر عمى . عمى في طبيعة القلب . وعمى عن رؤية دلائل الحق . وعمى عن رؤية حقيقة الوجود . وحقيقة الإرتباطات فيه . وحقيقة القيم والأشخاص والأحداث والأشياء .

والكفر ظلمة أو ظلمات . فعندما يبعد الناس عن نور الإيمان يقعون في ظلمات من شتى الأنواع والأشكال . ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء .

والكفر هاجرة . حرور . تلفح القلب فيه لوافح الحيرة والقلق وعدم الاستقرار على هدف ، وعدم الاطمئنان إلى نشأة أو مصير . ثم تنتهي إلى حر جهنم ولفحة العذاب هناك !

والكفر موت . موت في الضمير . وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل . وانفصال عن الطريق الواصل .

وعجز عن الانفعال والاستجابة الآخذين من النبع الحقيقي ، المؤثرين في سير الحياة !

ولكل طبيعته ولكل جزاؤه ، ولن يستوي عند الله هذا وذاك .

وهنا يلتفت إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه ويسري عنه ، بتقرير حدود عمله وواجبه في دعوة الله . وترك ما تبقى بعد ذلك لصاحب الأمر يفعل به ما يشاء :

( إن الله يسمع من يشاء ، وما أنت بمسمع من في القبور . إن أنت إلا نذير . إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير . وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير . ثم أخذت الذين كفروا . فكيف كان نكير ? ) . .

إن الفوارق أصيلة في طبيعة الكون وفي طبيعة النفس . واختلاف طباع الناس واختلاف استقبالهم لدعوة الله أصيل أصالة الفوارق الكونية في البصر والعمى ، والظل والحرور ، والظلمات والنور ، والحياة والموت . ووراء ذلك كله تقدير الله وحكمته . وقدرته على ما يشاء .