معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

قوله : { وإسماعيل } يعني : ابن إبراهيم { وإدريس } وهو أخنوخ { وذا الكفل كل من الصابرين } على أمر الله ، واختلفوا في ذا الكفل . قال عطاء : إن نبياً من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك ، فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل لا يفتر ، ويصوم بالنهار ولا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب ، فادفع ملكك إليه ففعل ذلك ، فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا فتكفل ، ووفى به فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل . قال مجاهد : لما كبر اليسع قال : لو أني أستخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل ، قال : فجمع الناس فقال : من يتقبل مني بثلاث أستخلفه : يصوم النهار ويقوم الليل ، ويقضي بين الناس ولا يغضب ، فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا فرده ذلك اليوم ، وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس ، وقام ذلك الرجل فقال : أنا ، فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم ، فقام ففتح الباب فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني ، وفعلوا وفعلوا وجعل يطول حتى حضر الرواح ، وذهبت القائلة ، فقال له : إذا رحت فائتني حتى آخذ حقك ، فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره ، فقام يبتغيه فلما كان من الغد جلس يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه ، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ المظلوم ففتح فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فائتني ؟ فقال : إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك وإذا قمت جحدوني ، قال : فانطلق فإذا رحت فائتني ، ففاتته القائلة وراح فجعل ينظر فلا يراه فشق عليه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النوم ، فلما كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل ، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها ، فإذا هو في البيت يدق الباب من داخل ، فاستيقظ فقال : يا فلان ألم آمرك ؟ فقال : أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت ، فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما هو أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ؟ فعرفه فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله مني ، فسمي ذا الكفل لأنه تكفل أمرا فوفى به . وقيل : إن إبليس جاءه وقال : إن لي غريماً يمطلني فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه ، فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب . وروي أنه اعتذر إليه . وقال : إن صاحبي هرب . وقيل : إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله فوفى به . واختلفوا في أنه هل كان نبياً ، فقال بعضهم : كان نبياً . وقيل : هو إلياس . وقيل : زكريا . وقال أبو موسى : لم يكن نبياً ولكن عبداً صالحاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

{ 85 - 86 } { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ }

أي : واذكر عبادنا المصطفين ، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر ، وأثن عليهم أبلغ الثناء ، إسماعيل بن إبراهيم ، وإدريس ، وذا الكفل ، نبيين من أنبياء بني إسرائيل { كُلٌّ } من هؤلاء المذكورين { مِنَ الصَّابِرِينَ } والصبر : هو حبس النفس ومنعها ، مما تميل بطبعها إليه ، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة : الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله ، والصبر على أقدار الله المؤلمة ، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام ، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها . فهؤلاء الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، قد وصفهم الله بالصبر ، فدل أنهم وفوها حقها ، وقاموا بها كما ينبغي .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلّ مّنَ الصّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنّهُمْ مّنَ الصّالِحِينَ } .

يعني تعالى ذكره بإسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد ، وبإدريس : أخنوخ ، وبذي الكفل : رجلاً تكفل من بعض الناس ، إما من نبيّ وإما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثني الله عليه حسن وفائه بما تكفل به وجعله من المعدودين في عباده ، مع من حمد صبره على طاعة الله . وبالذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء . ذكر الرواية بذلك عنهم :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث : أن نبيّا من الأنبياء ، قال : من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ؟ فقام شاب فقال : أنا . فقال : اجلس : ثم عاد فقال : من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فقال : اجلس ثم عاد فقال : من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا فقال : تقوم الليل وتصوم النهار ولا تغضب . فمات ذلك النبيّ ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس ، فكان لا يغضب . فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليُغضبه وهو صائم يريد أن يَقِيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة . فأرسل معه رجلاً ، فقال : لا أرضى بهذا الرجل . فأرسل معه آخر ، فقال : لا أرضى بهذا . فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه ، حتى إذا كان في السوق خلاّه وذهب ، فسُمّي ذا الكفل .

حدثنا ابن المثني ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا داود ، عن مجاهد ، قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت على الناس رجلاً يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . قال : فجمع الناس ، فقال : من يَتَقَبّلْ لي بثلاث أستخلفه : يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ؟ قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب ؟ قال : نعم . قال : فردّهم ذلك اليوم ، وقال مثلها اليوم الاَخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل ، فقال : أنا . فاسْتَخْلَفَه . قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان فأعياهم ، فقال : دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة ، فدقّ الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب ، فجعل يقصّ عليه ، فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا . فجعل يطوّل عليه ، حتى حضر الرّواح وذهبت القائلة ، وقال : إذا رحت فأتنى آخذ لك بحقك فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره ، فجعل يبتغيه . فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه . فلما رجع إلى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدقّ الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له ، فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأْتني ؟ فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني . قال : فانطلِقْ فإذا رحت فأتني قال : ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينظر فلا يراه ، فشقّ عليه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعُنّ أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شقّ عليّ النوم فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل وراءَك ، فقال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري ، قال : والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه . فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت ، فتسوّر منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدقّ الباب ، قال : واستيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألم آمرك ؟ قال : أما من قِبلى والله فلم تُؤْتَ ، فانظر من أين أُتِيتَ قال : فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا هو معه في البيت ، فعرفه فقال : أعدوّ الله ؟ قال : نعم أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك . فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : وَذَا الكِفْلِ قال رجل صالح غير نبيّ ، تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمه لهم ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسُمّي ذا الكِفل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : ويقضي بينهم بالحقّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان في بني إسرائيل مِلك صالح ، فكبر ، فجمع قومه فقال : أيكم يكفل لي بمُلكي هذا على أن يصوم النهار ويقوم الليل ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ولا يغضب ؟ قال : فلم يقم أحد إلا فتى شاب ، فازدراه لحداثة سنه ، فقال : أيكم يكفل لي بملكي هذا على أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ؟ فلم يقم إلا ذلك الفتى قال : فازدراه . فلما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، فقال : تعال فخلى بينه وبين ملكه . فقالم الفتى ليلة فلما أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، فأتاه الشيطان في صورة رجل من بني آدم ، فجذب ثوبه ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ؟ قال : إذا كان العشية فأتني قال فانتظره بالعشيّ فلم يأته فلما انتصف النهار دخل ليَقِيل ، جذب ثوبه وقال : أتنام والخصوم على بابك ؟ قال : قلت لك : ائتني العشيّ فلم تأتني ، ائتني ، بالعشيّ فلما كان بالعشيّ انتظره فلم يأت فلما دخل ليقيل جذب ثوبه ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ؟ قال : أخبرني من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت قال : هو الشيطان ، جئت لأفتنك فعصمك الله مني . فقضي بين بني إسرائيل بما أنزل الله زمانا طويلاً ، وهو ذو الكفل ، سُمي ذا الكفل لأنه تكفل بالملك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، عن أبي موسى الأشعريّ ، قال وهو يخطب الناس : إن ذا الكفل لم يكن نبيّا ولكن كان عبدا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مئة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته إياه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أمّا ذو الكفل فإنه كان على بني إسرائيل مَلِك فلما حضره الموت ، قال : من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل ولا يغضب ويصلي كل يوم مئة صلاة ؟ فقال ذو الكفل : أنا . فجعل ذو الكفل يقضي بين الناس ، فإذا فرغ صلى مئة صلاة . فكاده الشيطان ، فأمهله حتى إذا قضي بين الناس وفرغ من صلاته وأخذ مضجعه فنام ، أتى الشيطان بابه فجعل يدقه ، فخرج إليه ، فقال : ظُلمت وصُنع بي فأعطاه خاتمه وقال : اذهب فأتني بصاحبك وانتظره ، فأبطأ عليه الاَخر ، حتى إذا عرف أنه قد نام وأخذ مضجعه ، أتى الباب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه ، وخدش وجه نفسه فسالت الدماء ، فخرج إليه فقال : ما لك ؟ فقال : لم يتبعني ، وضُربت وفُعل فأخذه ذو الكفل ، وأنكر أمره ، فقال : أخبرني من أنت ؟ وأخذه أخذا شديدا ، قال : فأخبره من هو .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَذَا الكِفْل قال : قال أبو موسى الأشعريّ : لم يكن ذو الكفل نبيّا ، ولكنه كَفَل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مئة صلاة ، فوفى ، فكفل بصلاته ، فلذلك سُمي ذا الكفل .

ونُصِبَ «إسماعيل » و «إدريس » و «ذا الكفل » ، عطفا على «أيوب » ، ثم استؤنف بقوله : كُلّ فقال : كُلّ مِنَ الصّابِرِينَ ومعنى الكلام : كلهم من أهل الصبر فيما نابهم في الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

{ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل } يعني إلياس ، وقيل يوشع ، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم ، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف . { كل } كل هؤلاء . { من الصابرين } على مشاق التكاليف وشدائد النوب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

عطف على { وأيوبَ } [ الأنبياء : 83 ] أي وآتينا إسماعيل وإدريس وذا الكفل حُكماً وعلماً .

وجُمع هؤلاء الثلاثة في سلك واحد لاشتراكهم في خصيصية الصبر كما أشار إليه قوله تعالى { كل من الصابرين } . جرى ذلك لمناسبة ذكر المثل الأشهر في الصبر وهو أيوب .

فأما صبر إسماعيل عليه السلام فقد تقرّر بصبره على الرضى بالذبح حين قال له إبراهيم : { إني أرى في المنام أني أذبحك } فقال : { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [ الصافات : 102 ] ، وتقرر بسكناه بواد غيرِ ذي زرع امتثالاً لأمر أبيه المتلقَى من الله تعالى ، وتقدمت ترجمة إسماعيل في سورة البقرة .

وأما إدريس فهو اسم ( أُخْنُوخ ) على أرجح الأقوال . وقد ذكر أُخنوخ في التوراة في سفر التكوين جَدّاً لنوح . وتقدمت ترجمته في سورة مريم ووصف هنالك بأنه صدّيق نبيء وقد وصفه الله تعالى هنا فليعدَّ في صف الصابرين . والظاهر أن صبره كان على تتبع الحكمة والعلوم وما لقي في رحلاته من المتاعب . وقد عُدت من صبره قصص ، منها أنه كان يترك الطعام والنوم مدة طويلة لتصفو نفسه للاهتداء إلى الحكمة والعلم .

وأما ذو الكِفْل فهو نبيء اختُلف في تعيينه ، فقيل هو إلياس المسمّى في كتب اليهود ( إيليا ) .

وقيل : هو خليفَة اليَسع في نبوءة بني إسرائيل . والظاهر أنه ( عُوبديا ) الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود وهو الكتاب الرابع من الكتب الاثني عشر وتعرف بكتب الأنبياء الصغار .

والكفْل بكسر الكاف وسكون الفاء ، أصله : النصيب من شيء ، مشتق من كَفلَ إذا تعهد . لقب بهذا لأنه تعهد بأمر بني إسرائيل لليسع . وذلك أن اليسع لما كبُر أراد أن يستخلف خليفة على بني إسرائيل فقال : من يتكفل لي بثلاث أستخلفه : أن يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب . فلم يتكفل له بذلك إلا شاب اسمه ( عُوبديا ) ، وأنه ثبت على ما تكفل به فكان لذلك من أفضل الصابرين . وقد عُد عوبديا من أنبياء بني إسرائيل على إجمال في خبره ( انظر سفر الملوك الأول الإصحاح 18 . ورؤيا عوبديا صفحة 891 من الكتاب المقدس ) . وروى العبري عن أبي موسى الأشعري ومجاهد أن ذا الكفل لم يكن نبيئاً . وتقدمت ترجمة إلياس واليسع في سورة الأنعام .