فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

{ و } اذكر { إسماعيل } الصابر على الانقياد للذبح وعاش مائة وثلاثين سنة { وإدريس } هو أخنون جد نوح ولد في حياة آدم قبل موته بمائة سنة ، وبعث بعد موته بمائتي سنة ، وعاش بعد نبوته مائة وخمسين سنة ، فتكون جملة عمره أربعمائة وخمسين سنة ، وكان بينه وبين نوح ألف سنة .

{ وذا الكفل } هو إلياس ، وقيل يوشع بن نون ، وقيل زكريا ، والصحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورع عن شيء من المعاصي فتاب فغفر الله له وقيل إن اليسع لما كبر قال : من يتكفل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى أستخلفه فقال رجل : أنا فاستخلفه ، وسمي ذا الكفل ، وقيل كان رجلا يتكفل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات .

وقيل هو ولد أيوب واسمه بشر بعثه الله بعد أبيه ، وسماه ذا الكفل وأمره بالتوحيد ، وكان مقيما بالشام حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة ، وعن مجاهد قال : رجل صالح غير نبي تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ففعل ذلك فسمي ذا الكفل .

وعن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاض فحضره الموت ، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ، فقال رجل أنا ، فسمي ذا الكفل ، فكان ليله جميعا يصلي ثم يصبح صائما فيقضي بين الناس وذكر قصة .

وعن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبيا ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة ، فتوفي فتكفل له ذو الكفل من بعده ، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فسمي ذا الكفل .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط ، وما حملني عليه إلا الحاجة فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك ، وقال والله لا أعصي الله بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه " إن الله قد غفر لذي الكفل " {[1213]} .

وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبي ، وبه قال أبو موسى الأشعري ومجاهد وغيرهما ، وقال جماعة : هو نبي ولعله هو الصحيح ، وبه قال الحسن لأن الله قرن ذكره بإسماعيل وإدريس ؛ ولأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء ؛ ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال :

{ كل من الصابرين } على القيام بما كلفهم الله به


[1213]:الترمذي، كتاب القيامة باب 48- الإمام أحمد 2/23.