الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

قوله : { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من } إلى قوله : { ننجي المومنين } أي : واذكر يا محمد إسماعيل وإدريس وذا الكفل . ذو الكفل رجل تكفل بكفالة من الطاعة لله فأتمه .

روي{[46222]} أن نبيا من الأنبياء قال : من يتكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب . فقام شاب فقال : أنا . فقال : اجلس . ثم قال : من يتكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب . فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فقال : اجلس فجلس ثم عاد الثالثة فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فصام النهار وقام الليل ثم مات ذلك النبي ، فجلس ذلك الشاب مكانه فقضى بين الناس ، فكان لا يغضب ، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليغضبه وهو صائم يريد أن يقيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة فأرسل معه رجلا فرجع فقال : لا أرضى بهذا الرجل ، فأرسل معه آخر فقال : لا أرضى بهذا الرجل ، فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب فسمي ذا الكفل .

وقال مجاهد{[46223]} : لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . قال : فجمع الناس فقال : من يتكفل بثلاثة أستخلفه ؟ {[46224]} يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب . قال : فقام رجل تزدريه العيون فقال : أنا وقال مثلها في اليوم الثاني ، فقال ذلك الرجل فاستخلفه فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان ، فأعياهم فقال : دعوني وإياه ، [ فأتاه ]{[46225]} في صورة شيخ كبير قبيح الصورة فقير . وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك السويعة فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : شيخ كبير مظلوم . قال : ففتح الباب وجعل يقص عليه ويطول عليه ، حتى حضر الرواح وذهبت القائلة وقال له : إذا رحت فأتني وآخذ لك بحقك . فانطلق وراح وكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس فنظره فلم يره ، فلما رجع إلى القائلة وأخذ مضجعه ، أتاه فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له ، فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فآتني ؟ فقال : إن خصمي قوم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا نمت جحدوني . قال : فانطلق فإذا رحت فأتني فأتته القائلة وراج ، وجعل ينظر فلا يراه ، وشق عليه النعاس . فقال لأهله من الغد : لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شق علي النوم فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل : وراءك ، فقال : إني قد أتيته بالأمس ، وذكرت له أمري فقال : لا والله ، لقد أمرنا ألا ندع أحدا يقربه ، فلما أعياه نظر فرأى كوة فتسور منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل ، فاستيقظ الرجل ، فقال : يا أبا فلان ، ألم آمرك ؟ فقال : أمان قبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أوتيت{[46226]} . فقام إلى الباب{[46227]} ، فإذا هو مغلق{[46228]} كما{[46229]} أغلقه . وإذا الرجل معه في البيت ، فعرفه ، فقال : يا عدو الله . قال : نعم . أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك ، فسمي ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به{[46230]} .

قال مجاهد{[46231]} : كان{[46232]} رجلا صالحا غير نبي . وكذا قال أبو موسى الأشعري{[46233]} وقوله : { كل من الصابرين } أي : كلهم{[46234]} من أهل الصبر فيما نابه في الله ، وعلى تبليغ رسالاته{[46235]} وعلى شدائد الدنيا ، وعلى القيام بعبادة الله ، وعلى الصبر على الأذى{[46236]} في الله .


[46222]:القول: لعبد الله بن الحارث في جامع البيان 17/73، وعرائس المجالس: 163.
[46223]:انظر: جامع البيان 17/74 وتفسير القرطبي 11/328 وتفسير الفخر الرازي 22/210 وتفسير ابن كثير 3/190 والدر المنثور 4/331.
[46224]:ز: استخلافه. والتصحيح من جامع البيان.
[46225]:ز: فأتوه. والتصحيح من جامع البيان.
[46226]:ز: أتيت (تحريف).
[46227]:ز: البيت. (تحريف).
[46228]:ز: مغلوق.
[46229]:ز: كما هو.
[46230]:ز: فوفاه.
[46231]:انظر: جامع البيان 17/74-75 وزاد المسير 5/379 وتفسير الفخر الرازي 22/211 وغرائب القرآن 17/54، وقال الحافظ ابن كثير: (فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي). انظر: تفسير ابن كثير 3/190.
[46232]:ز: وكان.
[46233]:هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى من بني الأشعر من قحطان، صحابي جليل ومن الشجعان الولاة الفاتحين وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين (ت: 44 هـ). انظر: ترجمته في صفة الصفوة 1/556 وغاية النهاية 1/442.
[46234]:ز: كلا.
[46235]:و سقطت من ز.
[46236]:ز: الأدنى. (تحريف).