السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

القصة السابعة : قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل المذكورة في قوله تعالى : { وإسماعيل } أي : واذكر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيراً بعدما كان هالكاً لا محالة ، ثم جعلناه طعام طعم وشفاء سقم دائماً وصناه وهو كبير من الذبح حين رأى أبوه في المنام أنه يذبحه ورؤيا الأنبياء وحي ، { وفديناه بذبح عظيم } [ الصافات ، 107 ] { و } اذكر { إدريس } أي : ابن شيث بن آدم عليهم السلام الذي أحييناه بعد موته ورفعناه مكاناً عليا وهو أوّل نبيّ بعث من بني آدم عليهم السلام وتقدّمت قصته في سورة مريم { و } اذكر { ذا الكفل } سمي بذلك قال عطاء : لأن نبياً من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله تعالى إليه أني أريد أن أقبض روحك ، فاعرض ملكك على بني إسرائيل ، فمن تكفل لك أن يصلي بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ، ففعل ذلك ، فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا ، فتكفل ووفى به ، فشكر الله له ، ونبأه فسمي ذا الكفل ، وقال مجاهد لما كبر إليسع قال : لو أني استخلفت رجلاً من الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل قال : فجمع الناس ، فقال : من يقبل مني ثلاثاً أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ، فقام رجل فقال : أنا ، فاستخلفه ، فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة ، فدق الباب فقال : من هذا ؟ فقال : شيخ كبير مظلوم ، فقام ففتح الباب فقال : إنّ بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني ، وفعلوا ما فعلوا ، وجعل يطوّل حتى ذهبت القائلة ، فقال : إذا رحت فأتني فإني آخذ حقك ، فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره فقام يتبعه فلم يجده ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينظره ، فلم يره .

فلما رجع إلى القائلة ، وأخذ مضجعه أتاه ، فدق الباب ، فقال من أنت ؟ فقال : الشيخ المظلوم ، ففتح له وقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ، فقال : إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا : نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني قال : فانطلق فإذا جلست فأتني وفاتته القائلة ، فلما جلس جعل ينظر فلا يراه ، وشق عليه النعاس فلما كان اليوم الثالث قال لبعض أهله : لا تدعوا هذا الرجل يقرب من هذا الباب حتى أنام ، فإنه قد شق عليّ النعاس ، فلما كانت تلك الساعة جاء ، فلم يأذن له الرجل فلما أعياه نظر ، فرأى كوّة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت يدق عليه الباب من داخل فاستيقظ فقال : يا فلان ألم آمرك قال : أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا بالرجل معه في البيت ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ، فقال : أعدوّ الله قال : نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك ، فعصمك الله تعالى ، فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به ، وقيل إن إبليس جاءه وقال : إن لي غريماً يظلمني ، فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه ، فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب وروي أنه اعتذر إليه وقال صاحبي هرب وقيل : إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله تعالى ، فوفى به واختلفوا في أنه هل كان نبياً ؟ فقال الحسن : كان نبياً ، وعن ابن عباس أنه إلياس ، وقيل : هو زكريا ، وقيل : هو يوشع بن نون ، وقال أبو موسى : لم يكن نبياً ، ولكن كان عبداً صالحاً ، ولما قرن الله تعالى بين هؤلاء الثلاثة استأنف مدحهم بقوله تعالى { كلٌ } أي : كل واحد منهم { من الصابرين } على ما ابتليناه به فآتيناهم ثواب الصابرين .