الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

قوله تعالى : " وإسماعيل وإدريس " وهو أخنوخ وقد تقدم . " وذا الكفل " أي واذكرهم . وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " وغيره من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كان في بني إسرائيل رجل يقال له : ذو الكفل لا يتورع{[11330]} من ذنب عمله فاتبع امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، {[11331]} فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال : ما يبكيك ؟ قالت : من هذا العمل والله ما عملته قط ، قال : أأكرهتك ؟ قالت : لا ولكن حملني عليه الحاجة ، قال : اذهبي فهو لك والله لا أعصى الله بعدها أبدا ثم مات من ليلته فوجدوا مكتوبا على باب داره : إن الله قد غفر لذي الكفل ) وخرجه أبو عيسى الترمذي أيضا ولفظه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى عد سبع موات - [ لم أحدث به ]{[11332]} ولكني سمعته أكثر من ذلك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال : ما يبكيك أأكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة ، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك ، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه : إن الله قد غفر لذي الكفل ) قال : حديث حسن . وقيل إن اليسع لما كبر قال : لو استخلفت رجلا على الناس أنظر كيف يعمل . فقال : من يتكفل لي بثلاث : بصيام النهار وقيام الليل وألا يغضب وهو يقضي ؟ فقال رجل من ذرية العيص : أنا ، فرده ثم قال مثلها من الغد ، فقال الرجل : أنا ، فاستخلفه فوفي فأثنى الله عليه فسمي ذا الكفل ؛ لأنه تكفل بأمر ، قاله أبو موسى ومجاهد وقتادة . وقال عمرو بن عبد الرحمن بن الحارث وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذا الكفل لم يكن نبيا ، ولكنه كان عبدا صالحا فتكفل بعمل رجل صالح عند موته ، وكان يصلي ، لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه . قال كعب : كان في بني إسرائيل ملك كافر فمر ببلاده رجل صالح فقال : والله إن خرجت من هذه البلاد حتى أعرض على هذا الملك الإسلام . فعرض عليه فقال : ما جزائي ؟ قال : الجنة - ووصفها له - قال : من يتكفل لي بذلك ؟ قال : أنا ، فأسلم الملك وتخلى عن المملكة وأقبل على طاعة ربه حتى مات ، فدفن فأصبحوا فوجدوا يده خارجة من القبر وفيها رقعة خضراء مكتوب فيها بنور أبيض : إن الله قد غفر لي وأدخلني الجنة ووفى عن كفالة فلان ، فأسرع الناس إلى ذلك الرجل بأن يأخذ عليهم الإيمان ، ويتكفل لهم بما تكفل به للملك ، ففعل ذلك فآمنوا كلهم فسمي ذا الكفل . وقيل : كان رجلا عفيفا يتكفل بشأن كل إنسان وقع في بلاء أو تهمة أو مطالبة فينجيه الله على يديه . وقيل : سمي ذا الكفل لأن الله تعالى تكفل له في سعيه وعمله بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا في زمانه . والجمهور على أنه ليس بنبي . وقال الحسن : هو نبي قبل إلياس . وقيل : هو زكريا بكفالة مريم . " كل من الصابرين " أي على أمر الله والقيام بطاعته واجتناب معاصيه .


[11330]:في جـ و ز وك: ينزع.
[11331]:من ب.
[11332]:الزيادة من صحيح الترمذي.