معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

قوله تعالى : { إن الله فالق الحب والنوى } ، الفلق الشق ، قال الحسن و قتادة والسدي : معناه يشق الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة ، فيخرجها منها ، والحب جمع الحبة ، وهي اسم لجميع البذور والحبوب ، من البر ، والشعير ، والذرة ، وكل ما لم يكن له نوى ، وقال الزجاج : يشق الحبة اليابسة ، والنواة اليابسة ، فيخرج منها ورقاً أخضر . وقال مجاهد : يعني الشقين اللذين فيهما ، أي : يشق الحب عن النبات ويخرجه منه ، ويشق النوى عن النخل ويخرجها منه . والنوى جمع النواة ، وهي كل ما لم يكن له حب كالتمر ، والمشمش ، والخوخ ونحوها . وقال الضحاك : { فالق الحب والنوى } يعني : خالق الحب والنوى .

قوله تعالى : { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون } تصرفون عن الحق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ 95 - 98 } { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

يخبر تعالى عن كماله ، وعظمة سلطانه ، وقوة اقتداره ، وسعة رحمته ، وعموم كرمه ، وشدة عنايته بخلقه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب ، التى يباشر الناس زرعها ، والتي لا يباشرونها ، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار ، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت ، على اختلاف أنواعها ، وأشكالها ، ومنافعها ، ويفلق النوى عن الأشجار ، من النخيل والفواكه ، وغير ذلك . فينتفع الخلق ، من الآدميين والأنعام ، والدواب . ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ، ويقتاتون ، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك . ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول ، ويذهل الفحول ، ويريهم من بدائع صنعته ، وكمال حكمته ، ما به يعرفونه ويوحدونه ، ويعلمون أنه هو الحق ، وأن عبادة ما سواه باطلة .

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيوانا ، ومن البيضة فرخا ، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا .

{ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه ، أو لا روح { مِنَ الْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب ، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك .

{ ذَلِكُمْ } الذي فعل ما فعل ، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها { اللَّهُ } رَبُّكُمْ أي : الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين ، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه ، وغذاهم بكرمه . { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فأنى تصرفون ، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه ، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ؟ "

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَىَ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ }

وهذا تنبيه من الله جلّ ثناؤه هؤلاء العادلين به الاَلهة والأوثان على موضع حجته عليهم ، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه . يقول تعالى ذكره : إن الذي له العبادة أيها الناس دون كلّ ما تعبدون من الاَلهة والأوثان ، هو الله الذي فلق الحبّ ، يعنِي : شقّ الحبّ من كلّ ما ينبت من النبات ، فأخرج منه الزرع والنوى من كلّ ما يغرس مما له نواة ، فأخرج منه الشجر . والحبّ جمع حبة ، والنوى : جمع النواة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى أما فالق الحبّ والنوى : ففالق الحبّ عن السنبلة ، وفالق النواة عن النخلة .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : يفلق الحبّ والنوى عن النبات .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الله فالق ذلك ، فلقه فأنبت منه ما أنبت فلق النواة فأخرج منها نبات نخلة ، وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق .

وقال آخرون : معنى «فالق » خالق . ذكر من قال ذلك .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .

وقال آخرون : معنى ذلك أنه فلق الشقّ الذي في الحبة والنواة . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي جريج ، عن مجاهد ، في قول الله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقّ الذي يكون في النواة وفي الحنطة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم ابن أبي بزّة ، عن مجاهد : فالِقُ الحَبّ وَالنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى يقول : خالق الحبّ والنوى ، يعني : كل حبة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ما قدمنا القول به ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، فكان معلوماً بذلك أنه إنما عنى بإخباره عن نفسه أنه فالق الحبّ عن النبات والنوى عن الغروس والأشجار ، كما هو مخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ . وأما القول الذي حُكي عن الضحاك في معنى فالق أنه خالق ، فقولٌ إن لم يكن أراد به أنه خالق منه النبات والغروس بفلقه إياه ، لا أعرف له وجهاً ، لأنه لا يُعرف في كلام العرب فلق الله الشيء بمعنى : خلق .

القول في تأويل قوله تعالى : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ .

يقول تعالى ذكره : يخرج السنبل الحيّ من الحبّ الميت ، ومخرج الحبّ الميت من السنبل الحيّ ، والشجر الحيّ من النوى الميت ، والنوى الميت من الشجر الحيّ . والشجر ما دام قائماً على أصوله لم يجفّ والنبات على ساقه لم ييبس ، فإن العرب تسميه حيّا ، فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله سموه ميتاً .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة ، ويخرج الحبة الميتة من السنبلة الحية ، ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة ، ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .

وقال آخرون بما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : يخرج النطفة الميتة من الحيّ ، ثم يخرج من النطفة بشراً حيّا .

وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك ، لأنه عقيب قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى على أن قوله : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ وإن كان خبراً من الله عن إخراجه من الحبّ السنبل ومن السنبل الحبّ ، فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك وكلّ ميت أخرجه الله من جسم حيّ ، وكلّ حيّ أخرجه الله من جسم ميت .

وأما قوله : ذَلِكُمُ اللّهُ فإنه يقول : فاعل ذلك كله الله جلّ جلاله . فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول : فأيّ وجوه الصدّ عن الحقّ أيها الجاهلون تصدّون عن الصواب وتُصرفون ، أفلا تتدبرون فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحبّ والنوى ، فأخرج لكم من يابس الحبّ والنوى زروعاً وحروثاً وثماراً تتغذون ببعضه وتفكهون ببعضه ، شريك في عبادته ما لا يضرّ ولا ينفع ولا يسمع ولا يبصر ؟

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ إن الله فالق الحب والنوى } بالنبات والشجر . وقيل المراد به الشقاق الذي في الحنطة والنواة . { يخرج الحي } يريد به ما ينمو من الحيوان والنبات ليطابق ما قبله . { من الميت } مما لا ينمو كالنطف والحب . { ومخرج الميت من الحي } ومخرج ذلك من الحيوان والنبات ، ذكره بلفظ الاسم حملا على فالق الحب فإن قوله : يخرج الحي واقع موقع البيان له . { ذلكم الله } أي ذلكم المحي المميت هو الذي يحق له العبادة . { فأنا تؤفكون } تصرفون عنه إلى غيره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر ، ويتصل المعنى بما قبله لأن القصد :[ أن الله ] لا هذه الأصنام ، وقال مجاهد وأبو مالك هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر ونواة التمر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : والعبرة على هذا القول مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى ، وليس لذلك وجه ، وقال الضحاك وقتادة والسدي وغيرهما هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ، ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة ، فسبحان الخلاق العليم ، وقال الضحاك : { فالق } بمعنى خالق ، وقال السدي وأبو مالك : { يخرج الحي من الميت } إشارة إلى إخراج النبات الأخضر والشجر الأخضر من الحب اليابس والنوى اليابس ، فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة واليبس موتاً و { مخرج الميت من الحي } إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر ، وقال ابن عباس وغيره ، بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي ، وكذلك سائر الحيوان والطير من البيض والحوت وجميع الحيوان{[1]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أرجح وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله : { فالق الحب والنوى } وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان فيهما معتبر ، وقال الحسن : المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، وقوله : { ذلك } ابتداء وخبر متضمن التنبيه ، { فأنّى تؤفكون } أي تصرفون وتصدون .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟