البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

فلق الشيء شقه .

النواة معروفة والنوى اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث .

{ إن الله فالق الحب والنوى } الظاهر أن المعنى أنه تعالى { فالق الحب } شاقه فمخرج منه { النبات والنوى } فمخرج منه الشجر ، والحب والنوى عامّان أي كل حبة وكل نواة وبه قال قتادة والضحاك والسدي وغيرهم قالوا : هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه ؛ وقال ابن عباس والضحاك أيضاً { فالق } بمعنى خالق ؛ قيل ولا يعرف ذلك في اللغة ، وقال تاج القراء : فطر وخلق وفلق بمعنى واحد ، وقال مجاهد وأبو مالك : إشارة في الشق الذي في حبة البرّ ونواة التمر ، وقال اسماعيل الضرير : المعنى فالق ما فيه الحب من السنبل وما فيه النوى من التمر وأما أشبهه ، وقال الماتريدي وخصّهما بالذكر لأن جميع ما في الدنيا من الإبدال منهما فأضاف ذلك إلى نفسه كما أضاف خلق جميع البشر إلى نفس واحدة لأنهم منها في قوله

{ خلقكم من نفس واحدة } فكأنه قال : خالق الإبدال كلها انتهى ، ولما كان قد تقدم ذكر البعث نبه على قدرته تعالى الباهرة في شق النواة مع صلابتها وإخراجه منها نبتاً أخضر ليناً إلى ما بعد ذلك مما فيه إشارة إلى القدرة التامة والبعث والنشر بعد الموت ، وقرأ عبد الله { فالق الحب } جعله فعلاً ماضياً .

{ يخرج الحيّ من الميت ومخرج الميت من الحيّ } تقدم تفسير هذا في أوائل آل عمران وعطف قوله : { ومخرج الميت } على قوله : { فالق الحب } اسم فاعل على اسم فاعل ولم يعطفه على يخرج لأن قوله : { فالق الحب والنوى } من جنس إخراج الحيّ من الميت لأن النامي في حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله : { يحيي الأرض بعد موتها } فوقع قوله : { يخرج الحيّ من الميت } من قوله : { فالق الحب والنوى } موقع الجملة المبينة فلذلك عطف اسم الفاعل لا على الفعل ولما كان هذا مفقوداً في آل عمران وتقدم قبل ذلك جملتان فعليتان وهما { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } كان العطف بالفعل على أنه يجوز أن يكون معطوفاً وهو اسم فاعل على المضارع لأنه في معناه كما قال الشاعر :

بات يغشيها بعضب باتر *** يقصد في أسوقها وجائر

{ ذلكم الله فأنى تؤفكون } أي ذلكم المتصف بالقدرة الباهرة فأنى تصرفون عن عبادته وتوحيده والإيمان بالبعث إلى عبادة غيره واتخاذ شريك معه وإنكار البعث .

{ فالق الإصباح } مصدر سمي به الصبح ، قال الشاعر :

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل

( فإن قلت ) : الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما قال الشاعر :

تفرّي ليل عن بياض نهار *** .

فالجواب من وجوه : أحدها : أن يكون ذلك على حذف مضاف أي فالق ظلمة الإصباح وهي الغبش الذي يلي الصبح أو يكون على ظاهره ومعناه فالقه عن بياض النهار .

وقالوا : انصدع الفجر وانشق عمود الفجر ، قال الشاعر :

فانشق عنها عمود الصبح جافلة *** عدو النحوص تخاف القانص اللحيا

وسموا الفجر فلقاً بمعنى مفلوق أو يكون المعنى مظهر الإصباح إلا أنه لما كان الفلق مقتضياً لذلك الإظهار أطلق على الإظهارفلقاً والمراد المسبب وهو الإظهار