معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

قوله تعالى : { قالوا } وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون { إن هذان لساحران } يعني : موسى وهارون . قرأ ابن كثير وحفص " إن " بتخفيف النون هذان . أي : ما هذان إلا ساحران كقوله " إن نظنك لمن الكاذبين " أي : ما نظنك إلا من الكاذبين ، ويشدد ابن كثير النون من هذان . وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون هذين بالياء على الأصل . وقرأ الآخرون : " إن " بتشديد النون هذان بالألف . واختلفوا فيه ، فروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أنه خطأ من الكاتب ، وقال قوم : هو لغة الحارث بن كعب ، وخثعم ، وكنانة ، فإنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف ، يقولون : أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان ، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً كما التثنية . يقولون : كسرت يداه وركبت علاه يعني : يديه وعليه وقال شاعرهم :

تزود مني بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم يريد : بين أذنيه .

وقال آخر :

إن أباها وأبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها

وقيل : تقدير الآية إنه هذان ، فحذف الهاء وذهب جماعة : إلى أن حرف ( إن ) ها هنا بمعنى :نعم . أي : نعم هذان . روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً ، فحرمه . فقال : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير إن وصاحبها ، أي : نعم . وقال الشاعر :

بكرت علي عواذلي *** يلمنني وألومهنه

ويقلن شيب قد علا *** ك وقد كبرت فقلت إنه

أي : نعم { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم } مصر { بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى } قال ابن عباس : يعني بسراة قومكم وأشرافكم يقال : هؤلاء طريقة قومهم . أي : أشرافهم والمثلى تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل . حدث الشعبي ، عن علي قال : يصرفان وجوه الناس إليهما . قال قتادة : طريقتهم المثلى كان بنو إسرائيل يومئذ أكثر القوم عدداً وأموالاً ، فقال عدو الله : يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم . وقيل : بطريقتكم المثلى . أي : بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه . والمثلى : نعت الطريق . تقول العرب : فلان على الطريقة المثلى يعني : على الصراط المستقيم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

والنجوى التي أسروها فسرها بقوله : { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } كمقالة فرعون السابقة ، فإما أن يكون ذلك توافقا من فرعون والسحرة على هذه المقالة من غير قصد ، وإما أن يكون تلقينا منه لهم مقالته ، التي صمم عليها وأظهرها للناس ، وزادوا على قول فرعون أن قالوا : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } أي : طريقة السحر حسدكم عليها ، وأراد أن يظهر عليكم ، ليكون له الفخر والصيت والشهرة ، ويكون هو المقصود بهذا العلم ، الذي أشغلتم زمانكم فيه ، ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه ، وما يتبع ذلك من الرياسة ، وهذا حض من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبته ، ولهذا قالوا : { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

ثم اختلف أهل العلم السرار الذي أسروه ، فقال بعضهم : هو قول بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا . وقال آخرون في ذلك ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : أشار بعضهم إلى بعض بتناج : " إنْ هَذَانِ لسَاحِرَانِ يُرِيدَانه أنْ يخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما " .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وأسَرّوا النّجْوَى " من دون موسى وهارون ، قالوا في نجواهم : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهُما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمْ المُثْلَى " قالوا : إن هذان لساحران ، يَعْنُون بقولهم : إن هذان موسى وهارون ، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ، كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما " موسى وهارون صلى الله عليهما .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ " فقرأته عامة قرّاء الأمصار : «إنّ هَذَانِ » بتشديد إن وبالألف في هذان ، وقالوا : قرأنا ذلك كذلك . وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : «إن » خفيفة في معنى ثقيلة ، وهي لغة لقوم يرفعون بها ، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما . وقال بعض نحوييّ الكوفة : ذلك على وجهين : أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف . وقد أنشدني رجل من الأَسْد عن بعض بني الحارث بن كعب :

فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشّجاعِ وَلَوْ رَأىَ *** مَساغا لِناباهُ الشّجاعُ لَصمّما

قال : وحكى عنه أيضا : هذا خط يدا أخي أعرفه ، قال : وذلك وإن كان قليلاً أقيس ، لأن العرب قالوا : مسلمون ، فجعلوا الواو تابعة للضمة ، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت المسلمين ، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم قالوا : فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها ، وثبت مفتوحا ، تركوا الألف تتبعه ، فقالوا : رجلان في كلّ حال . قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلام الرجلين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة ، فإنهم يقولون : رأيت كِلَىِ الرجلين ، ومررت بكلي الرجلين ، وهي قبيحة قليلة مَضَوا على القياس . قال : والوجه الاَخر أن تقول : وجدت الألف من هذا دعامة ، وليست بلام «فَعلَى » فلما بنيت زدت عليها نونا ، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال ، كما قالت العرب الذي ، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع ، فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه . قال : وكان القياس أن يقولوا : الّذُون . وقال آخر منهم : ذلك من الجزم المرسل ، ولو نصب لخرج إلى الانبساط .

وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى ، قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس ، إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب «هذان » كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب . قال : وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنصب . قال : وقال بشر بن هلال : إن بمعنى الابتداء والإيجاب . ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها ، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز «إن هذان لساحران » ، مجاز كلامين ، مَخْرجه : إنه : إي نَعَم ، ثم قلت : هذان ساحران . ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابىء :

فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ *** فإنّي وَقَيّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

وقوله :

إنّ السّيُوفَ غُدُوّها وَرَواحَها *** تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ

قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكتُهُ يصلون على النبيّ ، فيرفعون على شركة الابتداء ، ولا يعملون فيه إنّ . قال : وقد سمعت الفصحاء من المُحْرِمين يقولون : إن الحمدَ والنعمةُ لك والملكُ ، لا شريك لك . قال : وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها . قال : ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل ، قال :

*** أُمّ الحُلَيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ***

قال : وزعم قوم أنه لا يجوز ، لأنه إذا خفف نوّن «إن » فلا بدّ له من أن يدخل «إلا » فيقول : إن هذا إلا ساحران .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : إنّ بتشديد نونها ، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف . ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون ، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة ، فكذلك إنّ هَذَانِ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة ، وهي لغة بني الحرث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد ، ومن وليهم من قبائل اليمن .

وقوله : " وَيَذْهَبا بطَرِيقَتِكُمْ المُثْلَى " يقول : ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه ، يقال ذلك للواحد والجمع ، وربما جمعوا ، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ومنه قول الله تبارك وتعالى : " كُنّا طَرَائقَ قِدَادا " ، وهؤلاء نظائر قومهم . وأما قوله : " المُثْلَى " فإنها تأنيث الأمثل ، يقال للمؤنث ، خذ المثلى منهما . وفي المذكر : خذ الأمثل منهما ، ووحدت المثلى ، وهي صفة ونعت للجماعة ، كما قيل : " لهُ الأسْماءُ الحُسْنَى " ، وقد يحتمل أن يكون المُثلى أنثت لتأنيث الطريقة .

وبنحو ما قلنا في معنى قوله : " بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثلَى " يقول : أمثلكم وهم بنو إسرائيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : أولي العقل والشرف والأنساب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : أولي العقول والأشراف والأنساب .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وطريقتهم المُثلى يومئذٍ كانت بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالاً وأولادا . قال عدوّ الله : إنما يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهما .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله " بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : ببني إسرائيل .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ " وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " يقول : يذهبا بأشراف قومكم .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه ، من قولهم : فلان حسن الطريقة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : يذهبا بالذي أنتم عليه ، يغير ما أنتم عليه . وقرأ : " ذَرُونِي أقْتُلْ مُوسَى وَليْدْعُ رَبّهُ إنّي أخافُ أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ أوْ أنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسادَ " قال : هذا قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وقال : يقول طريقتكم اليوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة . ورُوي عن علي في معنى قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " ما :

حدثنا به القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : يصرفان وجوه الناس إليهما .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد في قوله : " ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وإن كان قولاً له وجه يحتمله الكلام ، فإن تأويل أهل التأويل خلافه ، فلا أستجيز لذلك القول به .