فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

{ إِنْ هاذان لساحران } وقيل : إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا : إن كان ما جاء به موسى سحراً فسنغلبه ، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر . وقيل : الذي أسروه : أنه إذا غلبهم اتبعوه ، قاله الفرّاء والزجاج . وقيل : الذي أسروه : أنهم لما سمعوا قول موسى : { ويلكم لا تفتروا على الله } قالوا : ما هذا بقول ساحر . والنجوى : المناجاة يكون اسماً ومصدراً .

قرأ أبو عمرو : «إن هذين لساحران » بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف ، وهو نصب الاسم ورفع الخبر . ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة ، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين ، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس ، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف . وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه : «إن هذان » بتخفيف إن على أنها نافية ، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب . وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدّد النون من هذان . وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر : «إنّ هذان » بتشديد إن وبالألف ، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر . وقد تكلم جماعة من أهل العلم في توجيه قراءة المدنيين والكوفيين وابن عامر ، وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحاس ، فقيل إنها لغة بني الحارث بن كعب وخثعم وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف ، ومنه قول الشاعر :

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى *** مساغاً لناباه الشجاع لصمما

وقول الآخر :

تزوّد منا بين أذناه ضربة *** . . .

وقول الآخر :

إن أباها وأبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها

ومما يؤيد هذا تصريح سيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء : إن هذه القراءة على لغة بني الحارث بن كعب وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة . وحكى غيره أنها لغة خثعم . وقيل : إن «إنّ » بمعنى نعم ها هنا ، كما حكاه الكسائي عن عاصم ، وكذا حكاه سيبويه . قال النحاس : رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه ، فيكون التقدير : نعم هذان لساحران ، ومنه قول الشاعر :

ليت شعري هل للمحبّ شفاء *** من جوى حبهنّ إنّ اللقاء

أي نعم اللقاء . قال الزجاج : والمعنى في الآية : أن هذا لهما ساحران ، ثم حذف المبتدأ وهو هما . وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني ، وقيل : إن الألف في { هذا } مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير . وقيل : إن الهاء مقدّرة ، أي إنه هذان لساحران ، حكاه الزجاج عن قدماء النحويين ، وكذا حكاه ابن الأنباري . وقال ابن كيسان : إنه لما كان يقال : هذا بالألف في الرفع والنصب والجرّ على حال واحدة ، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف في الرفع والنصب والجر ، فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجه تصح به وتخرج به عن الخطأ ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف .

{ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ منْ أَرْضِكُمْ } وهي أرض مصر { بِسِحْرِهِمَا } الذي أظهراه { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى } قال الكسائي : بطريقتكم : بسنّتكم . و{ المثلى } نعت ، كقولك : امرأة كبرى ، تقول العرب : فلان على الطريقة المثلى ، يعنون : على الهدى المستقيم . قال الفراء : العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم ، والمثلى تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل ، يقال : فلان أمثل قومه ، أي أفضلهم ، وهم الأماثل . والمعنى : أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم ، أو يذهبا بمذهبكم إلي هو أمثل المذاهب .

/خ70