تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

الآية 63 : [ وقوله تعالى ]{[12316]} : { قالوا إن هذان لساحران } يعنون موسى وهارون . وقال بعضهم : { فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى } من موسى وهارون . فنجواهم أن { قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما } والأشبه بهذا أنهم اعتزلوا قومهم { وأسروا النجوى } /332-أ/ عنهم في ما بينهم أنهما كذا .

ثم قوله : { إن هذان لساحران } بالألف{[12317]} . قال أبو عبيدة : هذه لغة قوم من العرب [ يقول : مررت برجلان ] {[12318]} ورأيت رجلان . فهو على تلك اللغة . وقال بعضهم : إن هذه الألف ، لا تسقط في الوحدان بحال ؛ يقال : مررت بهذا ، ورأيت هذا ، ونحوه . فهو كالأصل ، لا يحتمل السقوط في الأحوال كلها الوحدان والتثنية . وقال بعضهم : { إن هذان لساحران } أي : نعم هذان لساحران ، وتلك لغة قوم أيضا ؛ يقولون : إن مكان نعم كقول القائل في آخر بيته : فقلت : إنه{[12319]} ، أي : نعم . وقال بعضهم : لا ، ولكن هذا خطأ من الكاتب ، فقال : إني أرى فيه خطايا ، فيقومها العرب بألسنتها ، أو نحو ذلك .

وقوله تعالى : { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما } هذا القول إنما أخذ من فرعون حين{[12320]} قال : { يريد أن يخرجكم من أرضكم } الآية [ الأعراف : 110 ] وقوله أيضا حين{[12321]} { قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى } [ طه : 57 ] علم فرعون أن ذلك ليس بسحر ، لكنه أراد أن يغري قومه عليه لئلا يتبعوه .

وقوله تعالى : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } اختلف فيه . قال الحسن : قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } أي بعيشكم أمثل العيش ، لأنهم كانوا جبابرة وفراعنة ، وكان{[12322]} بنو إسرائيل لهم خدما وخولا ، يستخدمونهم ، ويستعملونهم في حوائجهم ، فكان تعيشهم بهم . فقال : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } أي يذهبا بدينكم ومذهبكم الأمثل ، لأنه يقول : إن الذي يدعوهم هو إليه ، هو الرشاد ، وإن الذي يدعوهم موسى إليه ، هو باطل ، وإنه سحر وفساد كقوله : { ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } [ غافر : 26 ] وقوله{[12323]} { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } [ غافر : 29 ] وقوله{[12324]} { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك } [ الأعراف : 127 ] ونحوه : يدعي أن ما يدعوهم إليه ، هو الرشاد ، وأن الذي يدعو موسى إليه السحر والفساد .

وقال بعضهم : قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } أي خياركم وأشرافكم والأمثل منكم .

قال القتبي : قوله : { فيسحتكم } أي يهلككم ، ويستأصلكم ؛ يقال : سحته الله ، وأسحته ، وقال : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } أي الأشراف ، ويقال : هؤلاء طريقة قومهم ، أي أشرافهم ، واشتقاق{[12325]} الطريقة من الشريف ، ويقال : أراد بسنتكم ودينكم . والمثلى مؤنث أمثل ، مثل كبرى وأكبر { فاجمعوا كيدكم } أي حيلتكم .

وقال أبو عوسجة : { بطريقتكم المثلى } أي بدينكم الأفضل ، وهو من الأمثل .


[12316]:في الأصل وم: فقال لهم.
[12317]:انظر معجم القراءات القرآنية ج4/89.
[12318]:في الأصل وم: يقال: مررت.
[12319]:القائل هو الشاعر عبيد الله ابن قيس الرقيات، والبيت: ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه أنظر الديوان 212.
[12320]:في الأصل وم: حيث.
[12321]:في الأصل وم: حيث.
[12322]:في الأصل وم: وكانوا.
[12323]:أدرج بعدها في الأصل: لأن. في الأصل وم: وحيث قال.
[12324]:في الأصل وم: وحيث قالوا.
[12325]:الواو ساقطة من الأصل وم.