النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

قوله تعالى : { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف . وقرأ الأكثرون : إن هذان لساحران ، فوافقوا المصحف فيها ، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب ، ويكون معناها : ما هذان إلا ساحران . وقرأ أُبَيّ : إن ذان إلا ساحران ، وقرأ باقي القراء بالتشديد : إنَّ هذان لساحران . فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب . واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل :

أحدها : أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف ، وينشدون :

فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى *** مساغاً لِناباهُ الشجاع{[1909]} لصمّما

والوجه الثاني : لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها ، ولكن في " إن " هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران ، وهو قول متقدمي النحويين .

الثالث : أنه بَنَى " هذان " على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع .

الرابع : أن " إن " المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ، كما قال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير : إنّ وصاحبها . وقال عبد الله بن قيس الرقيات :

بكى العواذل في الصبا *** ح يلمنني وألومُهُنه

ويقلن شيب قد علا *** ك وقد كبرت فقلت إنْه

أي نعم .

قوله تعالى :{ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى } في قائل هذه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه قول السحرة .

الثاني : أنه قول قوم فرعون .

الثالث : قول فرعون من بين قومه ، وإن أشير به إلى جماعتهم .

وفي تأويله خمسة أوجه :

أحدها : ويذهبا بأهل العقل والشرف . قاله مجاهد .

الثاني : ببني إسرائيل ، وكانوا أولي عدد ويسار ، قاله قتادة .

الثالث : ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة ، قاله ابن زيد .

الرابع : ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون ، قاله الضحاك .

الخامس : ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، [ والمثلى مؤنث ] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل ، قال أبو طالب :

وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى *** لتلتبسن أسيافنا بالأماثل{[1910]}


[1909]:هذا البيت للشاعر المتلمس خال طرفة بن العبد والشاهد في قوله: لناباه مثنى ناب حيث جرت بالألف على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع أحواله. والمراد بصمم أي لم يرسل ما عض.
[1910]:هذا البيت من قصيدة طويلة في نحو مائة بيت يستعطف فيها قريشا. انظر سيرة ابن هشام ج 1/ 291.