الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

ثم قال تعالى ذكره : { قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم }[ 62 ] .

أي : قالت السحرة في سرهم وتناجيهم : إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرها .

وفي حرف ابن مسعود ( إن هذان/ إلا ساحران ){[45209]} : أي : ما هذان يخفف ( إن ) يجعلها بمعنى ما .

ومن شدد ( إن ) ورفع ( هذان ){[45210]} فقد خرج العلماء فيها{[45211]} سبعة أقوال : فالأول{[45212]} : أن يكون بمعنى{[45213]} نعم . حكى سيبويه أن ( إن ) تأتي{[45214]} بمعنى أجل . واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي{[45215]} والزجاج وعلي بن سليمان{[45216]} .

واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو{[45217]} ( إن هذين ) لمخالفتها للمصحف{[45218]} .

وقال علي بن أبي طالب : لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول{[45219]} : " إن الحمد لله نحمده ونستعينه " ، يعني يرفع الحمد يجعل ( إن ) بمعنى ( أجل ) .

ومعنى : أجل : نعم . ثم يقول : أنا أفصح قريش كلها ، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي . وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح{[45220]} خطبها ب( نعم ){[45221]} ، وكذلك وقعت في أشعارها . قال الشاعر{[45222]} :

قال غدرت ، فقلت : إن وربما *** نال العلي وشقى الخليل{[45223]} الغادر

وقال ابن قيس الرقيات{[45224]} :

بكرت على عواذ لي *** يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علاك *** وقد كبرت فقلت إنه

وأنشد ثعلب{[45225]} :

ليت شعري هل للمحب شفاء *** من جوى حبهن إن اللقاء

أي : نعم{[45226]} .

فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر .

وقد قيل : إن اللام يراد بها التقديم ، وهو أيضا بعيد ، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة{[45227]} في الشعر .

لكن الزجاج قال{[45228]} : التقدير : نعم هذان لهما ساحران . فتكون{[45229]} اللام داخلة على الابتداء في المعنى ، كما قال : أم الحليس لعجوز شهربة{[45230]} .

وقيل{[45231]} : إن اللام يراد بها التقديم .

وقيل : هي في موضعها ، و( العجوز ) مبتدأ ، وشهربة{[45232]} الخبر ، والجملة خبر عن اللام .

والقول الثاني : ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء{[45233]} أنها لغة لبني الحارث بن كعب ، يقولون : رأيت الزيدان ومررت بالزيدان ، وأنشدوا{[45234]} .

- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى *** مساغا لنا باه الشجاع لصمما

وأنشدوا أيضا{[45235]} :

- تزود منا بين أذناه طعنة على *** رأسه تلقى العظام{[45236]} من الفم .

وحكى أبو الخطاب{[45237]} أنها{[45238]} لغة لبني كنانة{[45239]} .

وحكى غيره{[45240]} أنها{[45241]} لغة خثعم . وهذا القول قول ، حسن ، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة ، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك ، وقد نقلها أبو زيد ، وكان سيبويه إذ قال حدثني من أثق به{[45242]} ، فإياه يعني .

ورواه الأخفش{[45243]} ، وهو ممن روى عنه سيبويه ، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب ، يدل على أن حكمها لا تتغير{[45244]} عن لفظها ، كما لا تتغير الدال من زيد ، فجاءت في هذه الآية على الأصل ، كما جاء ( استحوذ ) على الأصل .

والقول الثالث : قاله الفراء{[45245]} . قال : الألف في ( هذان ) دعامة ، ليست بلام الفعل ، فزدت{[45246]} عليها نونا ولم أغيرها ، كما قلت ( الذي ) ثم{[45247]} زدت{[45248]} عليه نونا ، ولم أغيرها . فقلت ( الذين ) في الرفع والنصب والجر .

والقول الرابع : يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة{[45249]} بألف بفعلان ، فلم تغير{[45250]} كما لا يغير ألف يفعلان .

والقول الخامس : حكاه الزجاج . قال{[45251]} : القدماء يقولون{[45252]} : الهاء مضمر ها هنا ، والمعنى : أنه هذان لساحران ، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر .

والقول السادس : قاله ابن كيسان ، قال : سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها{[45253]} ، فقلت : القول عندي ، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر ، وكانت{[45254]} التثنية يجب ألا تغير ، أجريت التثنية مجرى الواحد . فقال إسماعيل : ما أحسن هذا ، لو تقدمك احد بالقول به ، حتى تؤنس به . فقلت : فيقول القاضي به حتى يؤنس به ، فتبسم{[45255]} .

والقول السابع : حكاه أبو عمرو وغيره ، أنه من غلط الكاتب .

روي أن عثمان وعائشة/ رضي الله عنها قالا : إن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألستنها .

وعنهما : إن في الكتاب لحنا ستقيمه العرب بألسنتها . وهذا القول قد طعن فيه{[45256]} ، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين ، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط .

فأما من خفف ( إن ) فإنه ما بعدها ، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعلمها مخففة على{[45257]} الثقيلة ، كما يعمل{[45258]} الفعل محذوفا عمله وهو غير محذوف ، إلا أنه أتى ب( هذان ) ، على الوجوه التي ذكرنا ، فأتى بالألف في النصب .

فأما من شدد نون ( هذان ) ، فإنه جعل التشديد عوضا مما حذف من هذا في التثنية .

وعن الكسائي والفراء في : ( إن هذان ) قولان تركنا دكرهما لبعد تأويلهما في ذلك .

ثم قال تعالى : { ويذهبا بطريقتكم المثلى }[ 62 ] .

أي : يغلبكم{[45259]} على ساداتكم وإشرافكم . يقال للسيد : هو طريقة قومه . ولفظ الواحد والجمع التثنية سواء . وربما جمعوا فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ، أي أشرافهم وساداتهم . ومنه قوله : { كنا طرائق قددا } .

والمثلى : نعت للطريقة ، وهو تأنيث أمثل{[45260]} ، وجاز نعت الجماعة بلفظ التوحيد . كما قال : { هو له الأسماء الحسنى }{[45261]} .

ويجوز أن تكون تننننن( المثلى ) أنثت لتأنيث الطريقة .

قال ابن عباس : { بطريقتكم المثلى } أي أمثلكم{[45262]} ، وهم{[45263]} بنو إسرائيل{[45264]} .

وقال مجاهد : ( أولي العقول والشرف والأنساب ){[45265]} .

وقال قتادة : ( كانت طريقتهم المثلى يومئذ بني إسرائيل ، كانوا أكثر الناس عددا وأموالا وأولادا ){[45266]} .

وقيل : المعنى : ويذهبا بدينكم وسنتكم التي أنتم التي أنتم عليها .

وقال ابن وهب : ( يذهبا{[45267]} بالذي أنتم عليه من الدين ، وقرأ قول فرعون { إني أخاف أن يبدل دينكم }{[45268]} قال : فهذا{[45269]} قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى }{[45270]} .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن{[45271]} المعنى : ويصرفان وجوه الناس إليهما{[45272]} .

ويكون{[45273]} التقدير : ويذهبا بأهل طريقتكم ، ثم حذف ، مثل{[45274]} : { واسأل القرية }{[45275]} .


[45209]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/343.
[45210]:(هذان) سقطت من ز. قال في الكشف: قرأ ابن كثير وحفص. (قالوا إن) بتخفيف (إن) وشدد الباقون. وقرأ أبو عمرو (هذين) بالياء وقرأ الباقون بالألف. انظر: الكشف 2/63 والتيسير 151 والحجة لابن خالويه 242.
[45211]:ز: فيه.
[45212]:فالأول سقطت من ز.
[45213]:ز: معنى.
[45214]:تأتي سقطت من ز.
[45215]:هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم. شيخ مالكية العراق وعالمهم (ت 282 هـ) انظر: ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/624 وغاية النهاية 1/162 وبغية الوعاة 1/443 وطبقات المفسرين 1/106 والرسالة المستطرفة 37.
[45216]:انظر: معاني الزجاج 3/363 وإعراب القرآن للنحاس 2/343، وعلي بن سليمان بن الفضل النحوي هو أبو الحسن الأخفش الأصغر. (ت 315 هـ) انظر: ترجمته في بغية الوعاة 2/168.
[45217]:انظر: معاني الزجاج 3/362 والبحر المحيط 6/255.
[45218]:ز: للمصاحف.
[45219]:لم أهتد إلى تخريجه.
[45220]:ع: تتفتح، والتصحيح من ز.
[45221]:بنعم سقطت من ز.
[45222]:البيت في تفسير القرطبي 11/218 ولم أهتد إلى تخريجه من غيره.
[45223]:ز: العليل (تصحيف).
[45224]:هو عبد اله بن قيس بن شريح الرقيات يضاف إلى الرقيات سمين بهذا الاسم، وقيل لأنه شبب بعدة تسمى كل واحد رقية. انظر: ما يقع فيه التصحيف والتحريف 414 والبيت في معاني الزجاج 3/363.
[45225]:هو أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني، مولاهم البغدادي، الإمام أبو العباس ثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة (ت 291 هـ) انظر: ترجمته في بغية الوعاة 1/396. والبيت في تفسير القرطبي 11/218.
[45226]:ز: نعم اللقاء. وبعد (نعم) كلمات غير واضحة في (ع) و(ز) لم أستطع أن أقرأها.
[45227]:ز: موجود.
[45228]:انظر: معاني الزجاج 3/363.
[45229]:ز: فيكون.
[45230]:ز: شهيرة، (تحريف). وقد أتم البيت في ز بقوله (ترضى من اللحم بعظم الرقبة). الخزانة 3/130 وفقه اللغة للثعالبي 358.
[45231]:ز:فقال,
[45232]:ز: شهيرة. (تحريف).
[45233]:انظر: معاني الفراء 2/184 ومعاني الأخفش 2/408 والبحر المحيط 6/255.
[45234]:البيت للمتلمس. وهو في معاني الفراء 2/184 ومعاني الزجاج 3/362 واللسان (صمم). وأطرق وقف متحيرا. وصمم عضى من العظم.
[45235]:البيت في تأويل مشكل القرآن 50 واللسان (هبا)، ومشكل إعراب القرآن 2/366، وشطره الثاني في هذه المصادر (دعته إلى هابي التراب عقيم).
[45236]:ز: يلقى الطعام. (تحريف).
[45237]:ز: أبو طالب. (تحريف)، وأبو الخطاب هو عبد الحميد بن عبد المجيد، أبو الخطاب الأخفش الأكبر. كان إماما في العربية لقي الأعراب وأخذ عنهم. انظر: ترجمته في (بغية الوعاة) 2/73.
[45238]:إنها سقطت من ز.
[45239]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/345 والبحر المحيط 6/255.
[45240]:انظر: البحر المحيط 6/255.
[45241]:إنها سقطت من ز.
[45242]:ز: أثق له به.
[45243]:ز: ورواها.
[45244]:ع: ألا يتغير.
[45245]:انظر: معاني الفراء 2/184.
[45246]:ز: فزيدت.
[45247]:ثم سقطت من ز.
[45248]:ز: مررت (تحريف).
[45249]:ز: مشبه.
[45250]:ز: يغير.
[45251]:انظر: معاني الزجاج 3/364.
[45252]:ع: يقول. والتصحيح من ز.
[45253]:ز: عنه.
[45254]:ز: كان.
[45255]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/346 وتفسير القرطبي 11/219.
[45256]:وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الخبر، وبين بطلانه في مجموع فتاويه 15/253. وقال عنه ابن هشام: (وهذا خبر باطل، لا يصح من وجوه. أحدها: أن الصحابة - رضي الله عنهم – كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات، فكيف يقرون اللحن في القرآن مع إنهم لا كلفة عليهم في إزالته. والثاني: أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام، فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف؟ والثالث: أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم، لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي... إلخ). انظر: شرح شذرات الذهب: 50.
[45257]:ز: عمل.
[45258]:ز: يفعل.
[45259]:في النسختين يغلبكم، ولعل الصواب ما أثبتناه لمناسبة التثنية في الآية.
[45260]:انظر: معاني الأخفش 2/408.
[45261]:طه: آية 6.
[45262]:ز: يرى مثلكم.
[45263]:ز: وهو.
[45264]:انظر: جامع البيان 16/182 وزاد المسير 5/300.
[45265]:انظر: جامع البيان 16/182 وزاد المسير 5/300 وابن كثير 3/157 والدر المنثور 4/303.
[45266]:انظر: جامع البيان 16/182 وابن كثير 3/157.
[45267]:ز: يذهب (تحريف).
[45268]:غافر: آية 26.
[45269]:ز: فهو.
[45270]:القول لابن زيد في جامع البيان 16/183 والدر المنثور 4/303.
[45271]:أن سقطت من ز.
[45272]:انظر: جامع البيان 16/183.
[45273]:ز: فيكون.
[45274]:ز: مثل قوله.
[45275]:يوسف: آية 82.