معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

ثم أقسم بنفسه فقال : { فورب السماء والأرض إنه لحق } أي : ما ذكرت من أمر الرزق لحق ، { مثل } قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وعاصم : ( مثل ) برفع اللام بدلاً من ( الحق ) وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل ، { ما أنكم تنطقون } فتقولون : لا إله إلا الله . وقيل : شبه تحقق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ، كما تقول : إنه لحق كما أنت هاهنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلم ، والمعنى : أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة . قال بعض الحكماء : يعني : كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

فلما بين الآيات ونبه عليها تنبيهًا ، ينتبه به الذكي اللبيب ، أقسم تعالى على أن وعده وجزاءه حق ، وشبه ذلك ، بأظهر الأشياء [ لنا ] وهو النطق ، فقال : { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } فكما لا تشكون في نطقكم ، فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت{[848]} .


[848]:- في ب: فكذلك ينبغي أنلايعتريكم الشك في البعث والجزاء.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَوَرَبّ السّمَآءِ وَالأرْضِ إِنّهُ لَحَقّ مّثْلَ مَآ أَنّكُمْ تَنطِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه : فوربّ السماء والأرض ، إن الذي قلت لكم أيها الناس : إن في السماء رزقكم وما توعدون لحقّ ، كما حقّ أنكم تنطقون . وقد :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : فَوَرَبّ السّماءِ والأرْضِ إنّهُ لَحَقّ مِثْلَ ما أنّكُمْ تَنْطِقُونَ قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدّقوه » وقال الفرّاء : للجمع بين «ما » و«إنّ » في هذا الموضع وجهان : أحدهما : أن يكون ذلك نظير جمع العرب بين الشيئين من الأسماء والأدوات ، كقول الشاعر في الأسماء :

مِنَ النّفَرِ اللاّئِي الّذِينَ إذَا هُمُ *** يَهابُ اللّئامُ حَلْقَةَ الباب قَعْقَعُوا

فجمع بين اللائي والذين ، وأحدهما مجزيء من الاَخر وكقول الاَخر في الأدوات :

ما إنْ رأيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِهِ *** كالْيَوْمِ طالِيَ أَيْنُقٍ جُرْبِ

فجمع بين «ما » وبين «إن » ، وهما جحدان يجزيء أحدهما من الاَخر . وأما الاَخر : فهو لو أن ذلك أفرد بما ، لكان خبرا عن أنه حقّ لا كذب ، وليس ذلك المعنيّ به . وإنما أُريد به : إنه لحقّ كما حقّ أن الاَدميّ ناطق . ألا ترى أن قولك : أحقّ منطقك ، معناه : أحقّ هو أم كذب ، وأن قولك أحق أنك تنطق معناه للاستثبات لا لغيره ، فأدخلت «أن » ليفرّق بها بين المعنيين ، قال : فهذا أعجب الوجهين إليّ .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : مِثْلَ ما أنّكُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة مِثْلَ ما نصبا بمعنى : إنه لحقّ حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر . وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم ، فتقول : مثل من عبد الله ، وعبد الله مثلك ، وأنت مثلُه ، ومثلَهُ رفعا ونصبا . وقد يجوز أن يكون نصبها على مذهب المصدر ، إنه لحقّ كنطقكم . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ، وبعض أهل البصرة رفعا «مِثْلُ ما أنّكُمْ » على وجه النعت للحقّ .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .