فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

ثم أقسم سبحانه بنفسه ، فقال : { فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ } أي ما أخبركم به في هذه الآيات . قال الزجاج : هو ما ذكر من أمر الرزق والآيات . قال الكلبي : يعني : ما قصّ في الكتاب . وقال مقاتل : يعني : من أمر الساعة . وقيل : إن «مَا » في قوله : { وَمَا تُوعَدُونَ } مبتدأ ، وخبره : { فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ } ، فيكون الضمير لما . ثم قال سبحانه : { مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } قرأ الجمهور بنصب { مِّثْلَ } على تقدير : كمثل نطقكم و «ما » زائدة ، كذا قال بعض الكوفيون : إنه منصوب بنزع الخافض . وقال الزجاج والفراء : يجوز أن ينتصب على التوكيد : أي لحق حقاً مثل نطقكم . وقال المازني : إن «مثل » مع «ما » بمنزلة شيء واحد فبني على الفتح . وقال سيبويه : هو مبنيّ لإضافته إلى غير متمكن ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر والأعمش : ( مثل ) بالرفع على أنه صفة لحقّ ، لأن مثل نكرة وإن أضيفت فهي لا تتعرّف بالإضافة كغير . ورجح قول المازني أبو عليّ الفارسي قال : ومثله قول حميد :

وويحاً لمن لم يدر ما هنّ ويحما *** . . .

فبني ويح مع ما ولم يلحقه التنوين ، ومعنى الآية تشبيه : تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده ، وهذا كما تقول : إنه لحق كما أنك هاهنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلم ، والمعنى : أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة .

/خ23