السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه فقال عز من قائل : { فوربّ } أي : مبدع ومدبر { السماء والأرض } أي : وما أودع فيهما مما علمتموه وما لم تعلموه { إنه } أي : الذي توعدونه من الخير والشرّ والجنة والنار وما ذكر من أمر الرزق وما تقدّم الإقسام عليه { لحق } أي ثبات يطابقه الواقع { مثل ما أنكم تنطقون } أي مثل نطقكم كما أنه لا شك في أنكم تنطقون ينبغي لكم أن لا تشكوا في تحقيق ذلك وقال بعض الحكماء : معناه أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه ولا يمكن أن ينطق بلسان غيره ، كذلك كل أحد يأكل رزق نفسه الذي قسم له لا يقدر أن يأكل رزق غيره وأنشدوا في المعنى :

ما لا يكون فلا يكون بحيلة *** أبداً وما هو كائن سيكون

سيكون ما هو كائن في وقته *** وأخو الجهالة مكمد مغبون

وقيل : معناه إنّ القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون ، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة برفع اللام على أنه نعت لحق ، وما مزيدة وأنكم مضاف إليه أي لحق مثل نطقكم ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة لأنها لا تتعرف بذلك لإبهامها ، والباقون بالنصب على أنه نعت لحق أيضاً كما في القراءة الأولى : وإنما بنى الاسم لإضافته إلى غير ممكن كما بناه القائل في قوله :

فتداعى منخراه بدم *** مثل ما أثمر حماض الجبل

يفتح مثل مع أنها نعت لدم وقيل أنها نعت لمصدر محذوف أي لحق حقاً مثل نطقكم .