{ فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ } يعني أن الذي ذكرت من أمر الرزق { لَحَقٌّ مِّثْلَ } بالرفع قرأه أهل الكوفة بدلا من ( الحق ) ، وغيرهم بالنصب أي كمثل .
{ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } فتقولون : لا إله إلاّ الله ، وقيل : كما أنّكم ذوو نطق خصصتم بالقوة الناطقة العاقلة فتتكلمون ، هذا حق كما حق أنّ الآدمي ناطق ، وقال بعض الحكماء : كما أنّ كلّ انسان ينطق بلسان نفسه ، ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره ، فكذلك كلّ إنسان يأكل رزقه الذي قسم له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره ، وقال الحسن في هذه الآية : بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربّهم بنفسه فلم يصدّقوه " .
حدّثنا أبو القاسم بن حبيب قال : أخبرنا أبو الحسن الكائيني وأبو الطيّب الخياط وأبو محمد يحيى بن منصور الحاكم في القسطنطينية قالوا : حدّثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي ، قال : حدّثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياسي البصري ، قال : سمعت الأصمعي يقول : أقبلتُ ذات يوم من المسجد الجامع في البصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس ، فدنا وسلّم وقال لي : مَن الرجل ؟ ، قلت : من بني الأصمع ، قال : أنت الاصمعي ؟ قلت : نعم ، قال : ومن أين أقبلت ؟ ، قلت من موضع مليء بكلام الرَّحْمن ، قال : وللرَّحْمن كلام يتلوه [ الآدمين ] .
قلت : نعم ، قال : اتلُ عليّ شيئاً منه ، فقلت له : انزل عن قعودك . فنزل ، وابتدأت بسورة والذاريات ، فلمّا انتهيت إلى قوله سبحانه : { وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } . قال : يا أصمعي هذا كلام الرَّحْمن ؟ ، قلت : أي والذي بعث محمداً بالحق ، إنّه لكلامه أنزله على نبيّه محمد ، فقال لي : حسبك ، ثم قام إلى الناقة فنحرها وقطعها كلّها ، وقال : أعنيّ على توزيعها ففرقناها على من أقبل وأدبر ، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرمل وولّى مدبراً نحو البادية وهو يقول : { وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } .
فأقبلت على نفسي باللوم وقلت : لم تنتبهي لما انتبه له الأعرابي ، فلمّا حججت مع الرشيد دخلت مكة ، فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفتّ فإذا أنا بالأعرابي نحيلاً مصفاراً فسلّم عليّ وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي : اتل كلام الرَّحْمن ، فأخذت في سورة والذاريات ، فلمّا انتهيت الى قوله : { وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } ، صاح الاعرابي فقال : وجدنا ما وعدنا ربنّا حقاً ، ثم قال : وهل غير هذا ؟ قلت : نعم يقول الله سبحانه { فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } ، فصاح الأعرابي وقال : يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف ؟ ، ألم يصدّقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين ؟ قالها ثلاثاً وخرجت فيها نفسه .
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدّثنا أبو حاتم قال : حدّثنا شبانة ، قال حدّثنا صدقة ، قال حدّثنا الوضين بن عطاء عن زيد بن جرير أنّ رجلا جاع في مكان ليس فيه شيء ، فقال : اللّهم رزقك الذي وعدتني فأتني به ، قال : فشبع وروى من غير طعام ولا شراب .
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن القاسم الخطيب . قال : حدّثنا إسماعيل بن العباس بن محمد الوراق ، قال : حدّثنا الحسين بن سعيد بن محمد المحرمي ، قال : حدّثنا علي ابن يزيد العبداني قال : حدّثنا فضيل بن مسروق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أنّ أحدكم فرّ من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت " وأنشدت في معناه :
الرزق في القرب وفي البعد *** أطلَبُ للعبد من العبد
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.