معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

قوله تعالى : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } والصديق : الكثير الصدق ، قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية . قال الضحاك : ثمانية نفر من هذه الأمة ، سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام : أبو بكر ، وعلي ، وزيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته . { والشهداء عند ربهم } اختلفوا في نظم هذه الآية ، منهم من قال : هي متصلة بما قبلها ، والواو واو النسق ، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين . قال الضحاك : هم الذين سميناهم . قال مجاهد : كل مؤمن صديق شهيد ، وتلا هذه الآية . وقال قوم : تم الكلام عند قوله : { هم الصديقون } ثم ابتدأ فقال : { والشهداء عند ربهم } والواو واو الاستئناف ، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة . ثم اختلفوا فيهم فقال قوم : هم الأنبياء الذين يشهدون على أمم يوم القيامة ، يروى ذلك عن ابن عباس هو قول مقاتل ابن حيان . وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله . { لهم أجرهم } بما عملوا من العمل الصالح ، { ونورهم } على الصراط ، { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان عند أهل السنة : هو ما دل عليه الكتاب والسنة ، هو قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة ، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي : الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ، ودون مرتبة الأنبياء .

[ وقوله : ] { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } كما ورد في الحديث الصحيح : { إن في الجنة مائة درجة ، ما بين الدرجتين{[987]}  كما بين السماء والأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله } وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم ، وقربهم الله تعالى .

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق ، المتصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، وأصحاب الجحيم ، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق ، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم ، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله .

والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح ، والعلم النافع ، واليقين الصادق ، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله [ لإعلاء كلمة الله ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ] فقتلوا ، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله .

وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر ، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات ، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده ، فهؤلاء مآلهم الجنة ، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا .


[987]:- في ب: ما بين كل درجتين.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : والذين أقرّوا بوحدانية الله وإرساله رسله ، فصدّقوا الرسل وآمنوا بما جاؤوهم به من عند ربهم ، أولئك هم الصّدّيقون .

وقوله : والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله ، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله ، متناه عند قوله : الصّدّيقُونَ ، والصدّيقون مرفوعون بقوله : هم ، ثم ابتدىء الخبر عن الشهداء فقيل : والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ، والشهداء في قولهم مرفوعون بقوله : لَهُمْ أجْرَهُمْ وَنُورُهُمْ . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَالّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسِلِهِ أُولَئِكَ هُمْ الصّدّيقُونَ قال : هذه مفصولة والشّهَداءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق أُولَئِكَ هُمُ الصّديقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ قال : هي للشهداء خاصة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : هي خاصة للشهداء .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن أبي الضحى أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ ثم استأنف الكلام فقال : والشهداء عند ربهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَالّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُون هذه مفصولة ، سماهم الله صدّيقين بأنهم آمنوا بالله وصدّقوا رسله ، ثم قال : والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ هذه مفصولة .

وقال آخرون : بل قوله : والشهداء من صفة الذين آمنوا بالله ورسله قالوا : إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله : والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ ثم ابتدىء الخبر عما لهم ، فقيل : لهم أجرهم ونورهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو قيس أنه سمع هذيلاً يحدّث ، قال : ذكروا الشهداء ، فقال عبد الله : الرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، والرجل يقاتل للدنيا ، والرجل يقاتل للسمعة ، والرجل يقاتل للمغنم قال شعبة شيئا هذا معناه : والرجل يقاتل يريد وجه الله ، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد ، وقرأ عبد الله هذه الآية وَالّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، وليث عن مجاهد والّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُم وَنُورُهُمْ قال : كلّ مؤمن شهيد ، ثم قرأها .

حدثني صالح بن حرب أبو معمر ، قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن البراء بن عازب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مُؤْمِنُو أُمّتِي شُهَداءُ » . قال : ثم تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية وَالّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ قال : بالإيمان على أنفسهم بالله .

وقال آخرون : الشهداء عند ربهم في هذا الموضع : النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله عزّ وجلّ فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا .

والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : الكلام والخبر عن الذين آمنوا ، متناه عند قوله : أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وإن قوله : والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ خبر مبتدأ عن الشهداء .

وإنما قلنا : إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر ، وأنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره ، إلا أن يُراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه ، فيكون ذلك وجها ، وإن كان فيه بعض البعد ، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه ، إذا أطلق بغير وصل ، فتأويل قوله : والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ إذن والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله ، أو هلكوا في سبيله عند ربهم ، لهم ثواب الله إياهم في الاَخرة ونورهم .

وقوله : وَالّذِينَ كَفَرُوا وكَذّبُوا بآياتِنا أُولَئِكَ أصحَابُ الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره : والذين كفروا بالله وكذّبوا بأدلته وحججه ، أولئك أصحاب الجحيم .