فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ والذين ءامَنُوا بالله وَرُسُلِهِ } جميعاً ، والإشارة بقوله : { أولئك } إلى الموصول ، وخبره قوله : { هُمُ الصِِّدِّيقُونَ والشُّهَدَاء } الجملة خبر الموصول . قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صدّيق . قال المقاتلان : هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذّبوهم . وقال مجاهد : هذه الآية للشهداء خاصة ، وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم ، واختار هذا الفراء والزجاج . وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله ، وكذا قال ابن جرير ، وقيل : هم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة لأنبيائهم بالتبليغ ، والظاهر أن معنى الآية : إن الذين آمنوا بالله ورسله جميعاً بمنزلة الصدّيقين والشهداء المشهورين بعلوّ الدرجة عند الله ، وقيل : إن الصدّيقين هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا بالله وصدّقوا جميع رسله ، والقائمون لله سبحانه بالتوحيد . ثم بيّن سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال : { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } والضمير الأوّل راجع إلى الموصول ، والضميران الأخيران راجعان إلى الصدّيقين والشهداء : أي لهم مثل أجرهم ونورهم ، وأما على قول من قال : إن الذين آمنوا بالله ورسله هم نفس الصديقين والشهداء ، فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد ، والمعنى : لهم الأجر والنور الموعودان لهم .

ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ذكر حال الكافرين وعقابهم ، فقال : { والذين كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا } أي جمعوا بين الكفر وتكذيب الآيات ، والإشارة بقوله : { أولئك } إلى الموصول باعتبار ما في صلته من اتصافهم بالكفر والتكذيب ، وهذا مبتدأ وخبره { أصحاب الجحيم } يعذبون بها ولا أجر لهم ولا نور ، بل عذاب مقيم وظلمة دائمة .

/خ19