السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

ثم بين سبحانه وتعالى الحامل على الصدقة ترغيباً فيه وهو الإيمان فقال تعالى : { والذين آمنوا } أي : أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم { بالله } أي : الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام { ورسله } أي : كلهم لأجل ما لهم من النسبة إليه فمن كذب واحد منهم لم يكن مؤمناً بالله تعالى : { أولئك } أي : هؤلاء العالو الرتبة { هم الصديقون } أي : الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه ؛ وقال القشيري الصديق من استوى ظاهره وباطنه ؛ ويقال : هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل إلى الرخص ولا يجنح للتأويلات ؛ وقال مجاهد : كل من آمن بالله تعالى ورسله عليهم السلام فهو صدّيق وتلا هذه الآية ؛ وقال الضحاك : الآية خاصة في ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ألحقه الله تعالى بهم لما عرف من صدق نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى آله ، واختلف في نظم قوله تعالى : { والشهداء عند ربهم } أي : المحسن إليهم بالتربية لمثل تلك الرتبة العالية فمنهم من قال : هي متصلة بما قبلها والواو للنسق وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين ، وقال الضحاك : هم التسعة الذين سميناهم رضي الله عنهم ؛ وقال مجاهد : كل مؤمن صدّيق وشهيد وتلا هذه الآية ، وقال قوم : تم الكلام عند قوله تعالى : { هم الصديقون } ثم ابتدأ بقوله تعالى : { والشهداء } فهو مبتدأ وخبره { لهم أجرهم } أي : جعله ربهم لهم { ونورهم } أي : الذي زادهموه من فضله برحمته قالوا : والواو للاستئناف وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وجماعة ؛ ثم اختلفوا فيهم فمنهم من قال : هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين يشهدون على الأمم يروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول مقاتل بن حيان ، وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله عز وجل .

ولما ذكر تعالى أهل السعادة جعلنا الله تعالى ووالدينا ومحبينا منهم جامعاً لأصنافهم أتبعهم أهل الشقاوة لذلك بقوله تعالى : { والذين كفروا } أي : ستروا ما دلت عليه الأدلة { وكذبوا بآياتنا } أي : على مالها من العظمة بنسبتها إلينا { أولئك } أي : هؤلاء البعداء من كل خير { أصحاب الجحيم } أي : النار التي هي غاية في توقدها وفي ذلك دليل على أنّ الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص ، والصحبة تدل على الملازمة عرفاً ، وأما غيرهم من العصاة فدخولهم فيها ليس على وجه الصحبة الدالة على الملازمة .