فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ والذين آمنوا بالله ورسله } جميعها { أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق ، قال المقاتلان . هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذبوهم ، وقال مجاهد : هذه الآية للشهداء خاصة وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم ، واختار هذا الفراء والزجاج ، وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله ، وكذا قال ابن جرير ، وقيل : هم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة لأنبيائهم بالتبليغ ، والظاهر أن معنى الآية إن { الذين آمنوا بالله ورسله } جميعا بمنزلة الصديقين ، والشهداء المشهورين بعلو الدرجة عند الله وقيل : إن الصديقين هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا بالله وصدقوا جميع رسله ، والقائمون لله سبحانه بالتوحيد .

أخرج ابن جرير .

" عن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مؤمنو أمتي شهداء ، ثم تلا هذه الآية " ، وقال ابن مسعود : كل مؤمن صديق وشهيد ، وعنه قال : إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ، ثم تلا هذه الآية ، وعن أبي هريرة نحوه ، وقال ابن عباس في الآية . هذه مفصولة ، والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ، وأخرج ابن حبان :

" عن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته ، فمن أنا ؟ قال : من الصديقين والشهداء " .

ثم بين سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال :

{ لهم أجرهم ونورهم } الضمير الأول راجع إلى الموصول ، والضميران الآخران راجعان إلى الصديقين والشهداء ، أي لهم مثل أجرهم ونورهم ، وأما على قول من قال إن الذين آمنوا بالله ورسله هم نفس الصديقين والشهداء ، فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد ، والمعنى لهم الأجر والنور الموعودان لهم ، ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ذكر حال الكافرين وعقابهم فقال :

{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } أي جمعوا بين الكفر والتكذيب { أولئك أصحاب الجحيم } يعذبون بها ، ولا أجر لهم ولا نور ، بل عذاب مقيم ، وظلمة دائمة ، ولما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني وما وقع منهم من الكفر والتكذيب ، وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وتأثيرهم بين لهم حقارتها وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة فقال :

{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب } كلعب الصبيان { ولهو } كلهو الفتيان واللعب هو الباطل واللهو كل شيء يتلهى به ثم يذهب ، قال قتادة : لعب ولهو أكل وشرب . قال مجاهد : كل لعب لهو ، وقيل : اللعب ما رغب في الدنيا واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها ، وقيل : اللعب الاقتناء ، واللهو النساء ، وقد تقدم تحقيق هذا في سورة الأنعام { وزينة } كزينة النسوان ، والزينة التزين بمتاع الدنيا من اللباس والحلي ونحوهما ، من دون عمل للآخرة { وتفاخر بينكم } كتفاخر الأقران قرأ الجمهور بتنوين تفاخر ، وقرئ بالإضافة أي يفتخر به بعضكم على بعض ، وقيل : يتفاخرون بالخلقة والقوة ، وقيل : بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب .