الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

و{ الصديقون } : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ؛ على ما ذكر الزَّجَّاج .

وقوله تعالى : { والشهداء عِندَ رَبِّهِمْ } : اخْتُلِفَ في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة : { والشهداء } : معطوف على : { الصديقون } والكلامُ متَّصل ، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاتصال ، فقال بعضها : وَصَفَ اللَّه المؤمنين بأَنَّهم صديقون وشهداء ، فَكُلُّ مؤمن شهيد ؛ قاله مجاهد ، وروى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ » ، وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية وإنَّما خَصَّ صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفاً لهم ؛ لأَنَّهُم في أعلى رتب الشهادة ؛ أَلاَ ترى أَنَّ المقتولَ في سبيل اللَّه مخصوصٌ أيضاً من السبعة بتشريف ينفرد به ، وقال بعضها : { الشهداء } هنا : من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد ، فكأَنَّه قال : هم أهل الصدق والشهداءُ على الأمم ، وقال ابن عباس ، ومسروق ، والضحاك : الكلام تامٌّ في قوله : { الصديقون } ، وقوله : { والشهداء } : ابتداءٌ مستأنف ، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاستئناف ، فقال بعضها : معنى الآية : والشهداءُ بأنَّهم صديقون حاضرون عند ربهم ، وعَنَى بالشهداء الأنبياء عليهم السلام .

( ت ) : وهذا تأويل بعيد من لفظ الآية ، وقال بعضها : قوله : { والشهداء } ابتداء يريد به الشهداءَ في سبيل اللَّه ، واستأنف الخبر عنهم بأَنَّهم : { عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } فكأَنَّه جعلهم صِنْفاً مذكوراً وحده .

( ت ) : وأبينُ هذه الأقوال الأوَّلُ ، وهذا الأخيرُ ، وإنْ صَحَّ حديث البَرَاءِ لم يُعْدَلْ عنه ، قال أبو حيان : والظاهر أَنَّ { الشهداء } مبتدأ خبره ما بعده ، انتهى .

وقوله تعالى { وَنُورُهُمْ } قال الجمهور : هو حقيقة حسبما تقدم .