اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

قوله : { والذين آمَنُواْ } مبتدأ ، و«أولئك » مبتدأ ثانٍ ، و«هم » يجوز أن يكون مبتدأ ثالثاً ، و«الصديقون » خبره ، وهو مع خبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ، ويجوز أن يكون «هم » فصلاً ، و«أولئك » وخبره خبر الأول{[55388]} .

«والصِّديق » : هو الكثير الصِّدق .

وقال مجاهد : من آمن بالله ورسوله فهو صديق ، وتلا هذه الآية{[55389]} .

وقال الضحاك : هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام : أبو بكر ، وعلي ، وزيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب ، ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته{[55390]} .

قوله : { والشهداء } . يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنه معطوف على ما قبله ، ويكون الوقف على «الشهداء » تامًّا ، أخبر عن «الذين آمنوا » أنهم صديقون شهداء .

فإن قيل : الشهداء مخصوصون بأوصاف أخر زائدة على ذلك كالتسعة المذكورين .

أجيب : بأن تخصيصهم بالذكر لشرفهم على غيرهم لا للحصر .

والثاني : أنه مبتدأ ، وفي خبره وجهان :

أحدهما : أنه الظرف بعده .

والثاني : أنه قوله «ولهم أجرهم » ، إما الجملة ، وإما الجار وحده ، والمرفوع فاعل به ، والوقف لا يخفى على ما ذكرناه من الإعراب .

والصِّدِّيق : مثال مبالغة ، ولا يجيء إلا من ثلاثي غالباً .

قال بعضهم : وقد جاء «مِسِّيك » من «أمسك » ، وهو غلط ؛ لأنه يقال : «مسك » ثلاثياً ، ف «مسّيك » منه .

فصل في المراد بالصديقين والشهداء{[55391]}

قال مجاهد وزيد بن أسلم : إن الشهداء والصديقين هم المؤمنون ، وأنه متصل ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية{[55392]} .

قال القشيري : قال الله تعالى : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين } .

ف «الصديقون » هم الذين يلون الأنبياء .

و«الشهداء » هم الذين يلون الصديقين و«الصالحون » يلون الشهداء ، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل .

والمعنى : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدّيقون والشهداء ، ويكون المعني بالشهداء من شهد لله بالوحدانية ، أنهم شهداء عند ربهم على العباد في أعمالهم ، والمراد أنهم عدول في الآخرة الذين تقبل شهاداتهم .

وقال الحسن : كل مؤمن فإنه شهيد كرامة{[55393]} .

وقال الفراء والزجاج{[55394]} : هم الأنبياء ؛ لقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً } [ النساء : 41 ] .

وقال ابن جرير : «الشهداء » هم الذين استشهدوا في سبيل الله{[55395]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما تَعُدُّون الشُّهداء فيْكُمْ » ؟ قالوا : المقتول ، فقال : «إنَّ شُهَداء أمَّتِي إذاً لقَلِيلٌ »{[55396]} .

وعلى هذا يكون منقطعاً عما قبله ، وتكون «الواو » في «والشهداء » واو الاستئناف ، وهذا مروي عن ابن عباس ومسروق .

وقوله : { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } مما عملوا من العمل الصالح . و«نورهم » على الصراط .

ثم لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بذكر حال الكافرين{[55397]} ، فقال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ، أولئك أصحاب الجحيم } .


[55388]:ينظر: الدر المصون 6/287.
[55389]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/256) وعزاه إلى عبد الرزاق بن حميد. وذكره البغوي في "تفسيره" (4/298).
[55390]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/298).
[55391]:ينظر: القرطبي 17/164.
[55392]:أخرجه الطبري (11/683) عن البراء بن عازب مرفوعا بلفظ: "مؤمنو أمتي شهداء" ومثله عن ابن مسعود موقوفا أخرجه الطبري (11/683) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/256) وعزاه إلى عبد بن حميد.
[55393]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/298).
[55394]:ينظر: معاني القرآن له 5/126.
[55395]:ينظر: جامع البيان 11/684.
[55396]:أخرجه مسلم (3/1521) كتاب الإمارة، باب: بيان الشهداء حديث (65/1915) من حديث أبي هريرة.
[55397]:ينظر: الفخر الرازي 29/202.