البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ والشهداء } : الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده ، فيقف على الصديقون ، وإن شئت فهو من عطف الجمل ، وهذا قول ابن عباس ومسروق والضحاك .

إن الكلام تام في قوله : { الصديقون } ، واختلف هؤلاء ، فبعض قال : الشهداء هم الأنبياء ، يشهدون للمؤمنين بالصدّيقية لقوله : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } الآية ؛ وبعض قال : هم الشهداء في سبيل الله تعالى ، استأنف الخبر عنهم ، فكأنه جعلهم صنفاً مذكوراً وحده لعظم أجرهم .

وقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة : والشهداء معطوف على الصديقون ، والكلام متصل ، يعنون من عطف المفرادت ، فبعض قال : جعل الله كل مؤمن صديقاً وشهيداً ، قاله مجاهد .

وفي الحديث ، من رواية البراء : « مؤمنو أمتي شهداء » ، وإنما ذكر الشهداء السبعة تشريفاً لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة ، كما خص المقتول في سبيل الله من السبعة بتشريف تفرد به ، وبعض قال : وصفهم بالصديقية والشهادة من قوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس } { لهم أجرهم } : خبر عن الشهداء فقط ، أو عن من جمع بين الوصفين على اختلاف القولين .

والظاهر في نورهم أنه حقيقة .

وقال مجاهد وغيره : عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى .