معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

{ وآتاكم من كل ما سألتموه } ، يعني : وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئا ، فحذف الشيء الثاني اكتفاء بدلالة الكلام ، على التبعيض . وقيل : هو على التكثير نحو قولك : فلان يعلم كل شيء ، وآتاه كل الناس ، وأنت تعني بعضهم ، نظيره قوله تعالى : " فتحنا عليهم أبواب كل شيء " ( الأنعام-44 ) وقرأ الحسن { من كل } ، بالتنوين { ما } على النفي يعني من كل ما لم تسألوه ، يعني : أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سألتموها . { وإن تعدوا نعمة الله } ، أي : نعم الله ، { لا تحصوها } ، أي : لا تطيقوا عدها ولا القيام بشكرها . { إن الإنسان لظلوم كفار } ، أي : ظالم لنفسه بالمعصية ، كافر بربه عز وجل في نعمته . وقيل : الظلوم ، الذي يشكر غير من أنعم عليه ، والكافر : من يجحد منعمه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أي : أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم مما تسألونه إياه بلسان الحال ، أو بلسان المقال ، من أنعام ، وآلات ، وصناعات وغير ذلك .

{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } فضلا عن قيامكم بشكرها { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } أي : هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفَّار لنعم الله ، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه ، وعرف حق ربه وقام به .

ففي هذه الآيات من أصناف نعم الله على العباد شيء عظيم ، مجمل ومفصل يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره ، وذكره ويحثهم على ذلك ، ويرغبهم في سؤاله ودعائه ، آناء الليل والنهار ، كما أن نعمه تتكرر عليهم في جميع الأوقات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

ثم ختم - سبحانه - هذه النعم بقوله { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ . . }

أى : وأعطاكم - فضلا عما تقدم من النعم - بعضا من جميع ما سألتموه إياه من نعم ، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته التى لا تعلمونها كما قال - تعالى - { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } قال الجمل ما ملخصه " قوله { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أى : كل نوع أو كل صنف سألتموه أى : شأنكم أن تسألوه لاحتياجكم إليه ، وإن لم تسألوه بالفعل .

وفى " من " قولان : أحدهما أنها زائدة فى المفعول الثانى ، أى : آتاكم كل ما سألتموه .

والثانى أن تكون تبعيضية أى : وآتاكم بعض جميع ما سألتموه وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره : وآتاكم شيئسا من كل ما سألتموه ، وهو رأى سيبويه . . "

وجملة { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } مؤكدة لمضمون ما قبلها .

أى : وإن تحاولوا عد نعم الله عليكم ، وتحاولوا تحديد هذا العدد ، لن تستطيعوا ذلك لكثرة هذه النعم ، وخفاء بعضه عليكم .

والإِحصاء : ضبط العدد وتحديده ، مأخوذ من الحصا وهو صغار الحجارة لأن العرب كانوا يعدون الأعداد الكثيرة بالحصى تجنبا للخطأ .

قال ابن كثير : " يخبر - سبحانه - عن عجز العباد من تعداد نعمه فضلا عن القيام بشكرها ، كما قال طلق بن حبيب - رحمه الله - : إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد وإن نعم الله أكثر من يحصيها العباد ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين " .

وفى صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " لك الحمد غير مكفى - أى لم يكفه غيره بل هو - سبحانه - يكفى غيره - ولا مودع - أى متروك حمده - ، ولا مستغنى عنه ربنا - أى هو الذى يحتاج إليه الخلق . . " .

والمراد بالإِنسان فى قوله { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } نوع معين منه وهو الكافر كما فى قوله - تعالى - { وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } أى : إن الإِنسان الكافر لشديد الظلم لنفسه بعبادته لغير الله - تعالى - ، ولشديد الجحود والكفران لنعمه - عز وجل .

قال الشوكانى : قوله - سبحانه : { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ } أى لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه ، وظاهره شمول كل إنسان ، وقال الزجاج : إن الإِنسان هنا اسم جنس يقصد به الكافر خاصة ، كما فى قوله - تعالى - { والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ } " كفار " أى : شديد كفران نعم الله عليه ، جاحد لها ، غير شاكر لله عليها كما ينبغى ويجب عليه .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ابتدأت ببيان سوء عاقبة الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، وثنت بأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بأن يحض المؤمنين الصادقين على الاستزادة من إقامة الصلاة ومن الانفاق فى سبيل الله .

ثم ساقت عشر نعم تدل دلالة واضحة على وحدانية الله - تعالى - وعلمه وقدرته ، وهذه النعم هى خلق السموات والأرض ، وإنزال المطر من السماء ، وإخراج الثمرات به ، وتسخير الفلك فى البحار ، وتسخير الأنهار ، وتسخير الليل والنهار .

ثم ختمت ببيان أنه - سبحانه - قد أعطى الناس - فضلا عن كل ذلك - جميع ما يحتاجون إليه فى مصالحهم على حسب حكمته ومشيئته ولكن الناس - إلا من عصم الله - لا يقابلون نعمه - سبحانه - بما تستحقه من شكر ، لشدة ظلمهم وكثرة جحودهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

وقوله : { وآتاكم } للجنس من البشر ، أي إن الإنسان بجملته قد أوتي من كل ما شأنه أن يسأل وينتفع به ، ولا يطرد هذا في واحد من الناس وإنما تفرقت هذه النعم في البشر ، فيقال -بحسب هذا - للجميع أُوتيتم كذا - على جهة التعديد للنعمة - وقيل المعنى : { وآتاكم من كل ما سألتموه } أن لو سألتموه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قريب من الأول .

و { ما } في قوله : { ما سألتموه } يصح أن تكون مصدرية ، ويكون الضمير في قوله : { سألتموه } عائداً على الله تعالى : ويصح أن يكون { ما } بمعنى الذي ، ويكون الضمير عائداً على الذي .

وقرأ الضحاك بن مزاحم{[7085]} «من كلٍّ ما سألتموه » بتنوين { كل } وهي قراءة الحسن وقتادة وسلام ، ورويت عن نافع ، المعنى : وآتاكم من كل هذه المخلوقات المذكورات قبل . ما من شأنه أن يسأل لمعنى الانتفاع به . ف { ما } في قوله : { ما سألتموه } مفعول ثان ب { آتاكم } وقال بعض الناس : { ما } نافية على هذه القراءة أي أعطاكم من كل شيء لم يعرض له .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير الضحاك . وأما القراءة الأولى بإضافة { كل } إلى { ما } - فلا بد من تقدير المفعول الثاني جزءاً أو شيئاً ونحو هذا .

وقوله : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } أي لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى والإيجاد بعد العدم والهداية للإيمان وغير ذلك . وقال طلق بن حبيب : إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد ، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد . ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين وقال أبو الدرداء : من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه .

وقوله : { إن الإنسان } يريد به النوع والجنس المعنى : توجد فيه هذه الخلال وهي الظلم والكفر ، فإن كانت هذه الخلال من جاحد فهي بصفة وإن كانت من عاص فهي بصفة أخرى .


[7085]:هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، مفسر، كان يؤدب الأطفال، ذكره ابن حبيب تحت عنوان: "أشراف المعلمين وفقهاؤهم"، له كتاب في التفسير. (راجع ميزان الاعتدال 1 ـ 471، والمحبر 475، والأعلام 3ـ 310).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

معنى { وآتاكم من كل ما سألتموه } أعطاكم بعضاً من جميع مرغوباتكم الخارجة عن اكتسابكم بحيث شأنكم فيها أن تسألوا الله إياها ، وذلك مثل توالد الأنعام ، وإخراج الثمار والحب ، ودفع العوادي عن جميع ذلك : كدفع الأمراض عن الأنعام ، ودفع الجوائح عن الثمار والحب .

فجملة { وآتاكم من كل ما سألتموه } تعميم بعد خصوص ، فهي بمنزلة التذييل لما قبلها لحِكم يعلمها الله ولا يعلمونها { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير } [ سورة الشورى : 27 ] ، وأن الإنعام والامتنان يكون بمقدار البذل لا بمقدار الحرمان . وبهذا يتبين تفسير الآية .

وجملة { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } تأكيد للتذييل وزيادة في التعميم ، تنبيهاً على أن ما آتاهم الله كثير منه معلوم وكثير منه لا يحيطون بعلمه أو لا يتذكرونه عند إرادة تعداد النعم .

فمعنى { إن تعدوا } إن تحاولوا العد وتأخذوا فيه . وذلك مثل النعم المعتاد بها التي ينسى الناس أنها من النعم ، كنعمة التنفس ، ونعمة الحواس ، ونعمة هضم الطعام والشراب ، ونعمة الدورة الدموية ، ونعمة الصحة . وللفخر هنا تقرير نفيس فانظره .

والإحصاء : ضبط العدد ، وهو مشتق من الحَصَا اسماً للعدد ، وهو منقول من الحصى ، وهو صغار الحجارة لأنهم كانوا يعدون الأعداد الكثيرة بالحصى تجنباً للغلط .

وجملة { إن الإنسان لظلوم كفار } تأكيد لمعنى الاستفهام الإنكاري المستعمل في تحقيق تبديل النعمة كُفراً ، فلذلك فصلت عنها .

والمراد ب { الإنسان } صنف منه ، وهو المتصف بمضمون الجملة المؤكدة وتأكيدها ، فالإنسان هو المشرك ، مثل الذي في قوله تعالى : { ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا } [ سورة مريم : 66 ] ، وهو استعمال كثير في القرآن .

وصيغتا المبالغة في { ظلوم كفار } اقتضاهما كثرة النعم المفاد من قوله : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ، إذ بمقدار كثرة النعم يكثر كفر الكافرين بها إذ أعرضوا عن عبادة المنعم وعبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً ، فأما المؤمنون فلا يجحدون نعم الله ولا يعبدون غيره .