السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

وعاشرها : قوله تعالى : { وآتاكم من كل ما سألتموه } ، أي : مما أنتم محتاجون إليه على حسب مصالحكم ، فأنتم سألتموه بالقوّة . ولما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما أنعم به على عباده بين أنّ العبد عاجز عن حصرها وعدّها بقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ، أي : لا تحيطوا بها ولا تطيقوا عدّها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدّوها على الإجمال ، وأمّا على التفصيل فلا يقدر عليه ولا يعلمه إلا الله تعالى . { إنّ الإنسان } ، أي : الكافر ، وقال ابن عباس : يريد أبا جهل . { لظلوم } ، أي : كثير الظلم لنفسه { كفار } ، أي : كفور لنعم ربه ، وقيل : ظلوم في الشدّة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع . فإن قيل : لم قال تعالى هنا { إنّ الإنسان لظلوم كفار } وفي النحل : { إنّ الله لغفور رحيم } [ النحل ، 18 ] ؟ أجيب : بأنه تعالى يقول للعبد : إذا حصلت لك النعم الكثيرة فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها فحصل لك عند أخذها وصفان ، وهما كونك ظلوماً كفاراً ، ولي وصفان عند إعطائها وهما كوني غفوراً رحيماً ، والمقصود كأنه يقول : إن كنت ظلوماً فأنا غفور وإن كنت كفاراً فأنا رحيم أعلم عجزك وتقصيرك فلا أقابل تقصيرك ، إلا بالتوقير ولا أجازي جزاءك إلا بالوفاء ، ونسأل الله حسن والعاقبة والرحمة .