ثم عم بعد{[45097]} أن خص فقال : { وآتاكم } .
ولما كان الكمال{[45098]} لا يكون إلا في الجنة قال : { من كل ما سألتموه } أي ما أنتم محتاجون{[45099]} إليه فأنتم سائلوه بالقوة ؛ ثم حقق وجه العظم بفرض ما يوجب العجز فقال : { وإن تعدوا } أيها الناس كلكم { نعمت الله } أي تروموا عد إنعام الملك الأعلى الذي له الكمال المطلق أو تأخذوا في عدّه ، وعبر عنه بالنعمة إرشاداً إلى الاستدلال بالأثر {[45100]} على المؤثر{[45101]} { لا تحصوها } أي لا تحيطوا بها{[45102]} ولا تعرفوا عد{[45103]} الحصى المقابلة لها إن عددتموها بها{[45104]} كما كانت عادة العرب ، أو لا تجدوا{[45105]} من الحصى ما يوفي{[45106]} بعددها ، هذا في النعمة الواحدة فكيف بما زاد ! فهذا شرح قوله أول السورة { الله{[45107]} الذي له ما في السماوات وما في الأرض } وقد ظهر به أنه{[45108]} لا يوجد شيء إلا وهو ملك الله فضلاً عن أن يوجد شيء{[45109]} يداينه فضلاً عن شيء يماثله ، فثبت{[45110]} أنه لا بيع ولا خلال يوم دينونة العباد ، وتقريب العجز عن العد للإفهام أن السلامة من كل داء ذكره الأطباء في كتبهم - على كثرتها وطولها - نعمة على العبد ، وذلك متعسر الحصر ، وكل ما ذكروه صريحاً في جنب ما دخل تحت كلياتهم تلويحاً - قليل ، فكيف{[45111]} بما لم يطلعهم الله عليه ولم يهدهم بوجه إليه ، هذا في الجسم ، وأما في العقل فالسلامة من{[45112]} كل عقد زائغ ، ودين باطل وضلال{[45113]} مائل ، وذلك لا يحصيه إلا خالق الفكر{[45114]} وفاطر الفطر سبحانه ، ما أعزه وأعظم شأنه ! .
ولما كان أكثر هذه السورة في بيان الكفرة{[45115]} ومآلهم ، وبيان أن أكثر الخلق هالك معرض عما يأتيه من نعمة الهداية على أيدي الرسل الدعاة إلى من له جميع النعم للحياة الطيبة بسعادة{[45116]} الدارين ، ختم الآية ببيان ما اقتضى ذلك من صفات الإنسان فقال : { إن الإنسان } أي هذا النوع لما له من الأنس بنفسه ، والنسيان لما ينفعه ويضره ، والاضطراب بسبب ما يغمه ويسره { لظلوم كفار } أي بليغ الظلم والكفر حيث يهمل الشكر ، ويتعداه إلى الكفر ، وختم مثل ذلك في سورة النحل ب { غفور رحيم{[45117]} } لأن تلك سورة النعم ، بدئت{[45118]} بالنهي عن استعجال{[45119]} العذاب ، لأن الرحمة أسبق ، ومن الرحمة إمهال الناس وإمتاعهم بالمنافع ، فالتقدير إذن هناك : { وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم{[45120]} كفار } ولكن ربه لا يعاجله بالعقوبة لأنه غفور رحيم ، وأما هذه السورة فبدئت بأن الناس في الظلمات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.