الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

وقوله سبحانه : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ إبراهيم : 34 ] .

المعنى : أنَّ جنس الإِنسان بجملته قد أوتي من كلِّ ما شأنه أنْ يسأل وينتفع به ، وقرأ ابن عباس وغيره : «مِنْ كُلٍّ مَّا سَأَلْتُمُوهُ » بتنوين { كُلٍّ } ، وروِيت عن نافع .

وقوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } أي : لكثرتها وعِظَمها في الحَوَاس والقُوَى ، والإِيجادِ بعد العَدَمِ والهدايةِ للإِيمان وغيرِ ذلك ، وقال طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ : إِنَّ حقَّ اللَّه تعالى : أَثْقَلُ من أَنْ يَقُومَ به العُبَّادُ ، ونِعْمَهُ أَكثر مِنْ أَنْ يحصيها العبَادُ ، ولكنْ أصْبِحُوا توَّابين ، وأمْسُوا تَوَّابِين .

( ت ) : وَمِنْ «الكَلِمِ الفارقيَّة » : أيها الحَرِيصُ على نيلِ عَاجِلِ حظِّه ومراده الغافلُ عن الاستعداد لمعاده تنبَّه لعظمة مَنْ وجودُكَ بإِيجادِهِ ؛ وبقاؤك بإِرْفاده ودوامك بإِمداده ، وأنْتَ طفلٌ في حَجْر لُطْفه ومهد عَطْفه وحضانة حفظه ، يغذِّك بلِبَانِ بِرِّهِ ؛ ويقلِّبك بأيدي أياديه وفضله ؛ وأنتَ غافلٌ عن تعظيم أمره جاهلٌ بما أولاَكَ من لَطِيف سِرِّه ؛ وفضَّلك به على كثيرٍ من خَلْقه ، واذكر عهد الإِيجاد ، ودوام الإِمْدَاد والإِرفاد وحالَتَيِ الإِصْدَار والإِيراد ؛ وفاتحة المبدأ وخاتمةَ المَعَاد ، انتهى .

وقوله سبحانه : { إِنَّ الإنسان } : يُريدُ به النوَعَ والجنْسَ ، المعنَى : توجَدُ فيه هذه الخِلاَلُ ، وهي الظُّلْم والكُفْر ، فإِن كانَتْ هذه الخِلاَلُ من جاحِدٍ ، فهي بصفةٍ ، وإِن كانَتْ من عاصٍ فهي بصفةٍ أُخرَى .