قوله تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } أي : قربى ، قال الأخفش : قربى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً ، { إلا من آمن } يعني : لكن من آمن ، { وعمل صالحاً } قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ، { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } أي : يضعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : جزاء منصوباً منوناً الضعف رفع ، تقديره : لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ، { وهم في الغرفات آمنون } قرأ حمزة : في الغرفة على واحدة ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : { لنبوئنهم من الجنة غرفا } .
وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه ، وإنما الذي يقرب منه زلفى ، الإيمان بما جاء به المرسلون ، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان ، فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، لا يعلمها إلا اللّه ، { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي : في المنازل العاليات المرتفعات جدا ، ساكنين فيها مطمئنين ، آمنون من المكدرات والمنغصات ، لما هم فيه من اللذات ، وأنواع المشتهيات ، وآمنون من الخروج منها والحزن فيها .
ثم زاد - سبحانه - هذه القضية توضيحا وتبيينا فقال : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى } .
الزلفى : مصدر كالقربى ، وانتصابه على المصدرية من معنى العامل . أى ليست كثرة أموالكم ، ولا كثرة أولادكم بالتى من شأنها أن تقربكم إلينا قربى ، لأن هذه الكثرة ليست دليل محبة منا لكم ، ولا تكريم منالكم ، وإنما الذى يقربكم منا هو الإِيمان والعمل الصالح .
كما وضح - سبحانه - هذه الحقيقة فى قوله بعد ذلك : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } .
أى : ليس الأمر كما زعمتم - أيها المترفون - من أن كثرة الأموال والأولاد ستنجيكم من العذاب ، ولكن الحق والصدق أن الذى ينجيكم من ذلك ويقربكم منا ، هو الإِيمان والعمل الصالح . فهلاء الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله - تعالى - الجزاء الحسن المضاعف ، وهم فى غرفات الجنات آمنون مطمئنون .
قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } هو استثناء منقطع فيكون محله النصب . أى : لكن من آمن وعمل صالحا . . . والإِشارة بقوله : { فأولئك } إلى { مَنْ } والجمع باعتبار المعنى . وهو مبتدأ . وخبره { لَهُمْ جَزَآءُ الضعف } أى : فأولئك يجازيهم الله الضعف ، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول . أو فأولئك لهم الجزاء المضاعف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة . .
{ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } قربة والتي إما لأن المراد وما جماعة أموالكم وأولادكم ، أو لأنها صفة محذوف كالتقوى والخصلة . وقرئ " بالذي " أي بالشيء الذي يقربكم . { إلا من آمن وعمل صالحا } استثناء من مفعول { تقربكم } ، أي الأموال والأولاد لا تقرب أحدا إلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح ، أو من { أموالكم } و { أولادكم } على حذف المضاف . { فأولئك لهم جزاء الضعف } أن يجازوا الضعف إلى عشر فما فوقه ، والإضافة إضافة المصدر إلى المفعول ، وقرئ بالأعمال على الأصل وعن يعقوب رفعهما على إبدال الضعف ، ونصب الجزاء على التمييز أو المصدر لفعله الذي دل عليه لهم . { بما عملوا وهم في الغرفات آمنون } من المكاره ، وقرئ بفتح الراء وسكونها ، وقرأ حمزة " في الغرفة " على إرادة الجنس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.