تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى } ولكن ما ذكر حين قال : { إلا من آمن وعمل صالحا } أي ذلك /437–أ/ يقرّب عندنا زلفى : من آمن{[4]} به ، سواء أكان له مال وولد أم لم يكن { فأولئك لهم جزاء الضعف بما علموا } .

من الناس من احتج بتفضيل الغِنى على الفقر بهذه الآية ، يقول : أخبر أن لهم جزاء الضعف إذا آمنوا ، وعملوا الصالحات بالأموال التي أعطاهم . وأما الفقير فليس له ذلك ، إذ ليس له عنده ما يضاعف له ، أو كلام يشبه هذا .

وأما عندنا فإن قوله : { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } لهم جزاء الضعف له ، وذلك للغنيّ والفقير جميعا .

وذكرنا في غير موضع أن التكلم في فضل الغنى على الفقر أو الفقر على الغنى كلام ، لا معنى له ، لأنهما شيئان ، لا صنع لأحد في ذلك ، يُمتحنان في تلك الأحوال [ بأمرين ] . {[5]}

أحدهما : بالشكر ، والآخر بالصبر .

فمن وفى بما امتُحن هو في تلك الحال ، فهو أفضل ممن لم يف بذلك ، وبه يستوجب [ الفضل إن استوجب ]{[6]} فأما بنفس تلك الحال فلا .

ولكن من يفضّل الغنى على الفقر يذهب إلى أن الله تعالى سمّى الضيق بلاء وشرا وشدة في غير موضع من القرآن ، وسمّى السّعة خيرا ونعمة حسنة في غير موضع ، ولا شك أن الخير والحسنة أفضل وأحمد من الشر والسيئة . فلو لم يكن هذا شرا وسيئة في الحقيقة لم يُسمّه بذلك ، وهذا خيرا لم يسمّه .

ومن يقول بتفضيل الفقر يذهب إلى أن الغني إذا أعطى ، وبذل ، إنما استوجب ذلك الفضل لما يُفقر نفسه ، ويحوج . وأصله ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { وهم في الغُرُفات آمنون } من [ سالب النعمة وخزيه ]{[7]} ، والله أعلم .


[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.
[5]:- من ط ع، في الأصل: ذا.
[6]:- نفسه.
[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.