البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ثم أخبر تعالى أن أموالهم وأولادهم التي افتخروا بها ليست بمقربة من الله ، وإنما يقرب الإيمان والعمل الصالح .

وقرأ الجمهور : { بالتي } ، وجمع التكسير من العقلاء وغيرهم يجوز أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون التي هي التقوى ، وهي المقربة عند الله زلفى وحدها ، أي ليست أموالكم تلك الموضوعة للتقريب . انتهى .

فجعل التي نعتاً لموصوف محذوف وهي التقوى .

انتهى ، ولا حاجة إلى تقدير هذا الموصوف .

والظاهر أن التي راجع إلى الأموال والأولاد ، وقاله الفراء .

وقال أيضاً ، هو والزجاج : حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، والتقدير : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } . انتهى .

ولا حاجة لتقدير هذا المحذوف ، إذ يصح أن يكون التي لمجموع الأموال والأولاد .

وقرأ الحسن : باللاتي جمعاً ، وهو أيضاً راجع للأموال والأولاد .

وقرى بالذي ، وزلفى مصدر ، كالقربى ، وانتصابه على المصدرية من المعنى ، أي يقربكم .

وقرأ الضحاك : زلفاً بفتح اللام وتنوين الفاء ، جمع زلفة ، وهي القربة .

{ إلا من آمن } : الظاهر أنه استثناء منقطع ، وهو منصوب على الاستثناء ، أي لكن من آمن ؛ { وعمل صالحاً } ، فإيمانه وعمله يقربانه .

وقال الزجاج : هو بدل من الكاف والميم في تقربكم ، وقال النحاس : وهذا غلط لأن الكاف والميم للمخاطب ، فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيداً ؛ وقول أبي إسحاق هذا قول الفراء . انتهى .

ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضمير المخاطب والمتكلم ، لكن البدل في الآية لا يصح .

ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا ؟ لو قلت : مازيد بالذي يضرب إلا خالداً ، لم يصح .

وتخيل الزجاج أن الصلة ، وإن كانت من حيث المعنى منفية ، أنه يصح البدل ، وليس بجائز إلا فيما يصح التفريغ له .

وقد اتبعه الزمخشري فقال : إلا من آمن استثناء من كم في تقربكم ، والمعنى : أن الأموال لا تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله ؛ والأولاد لا تقرب أحداً إلا من علمهم الخير وفقهم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة .

انتهى ، وهو لا يجوز .

كما ذكرنا ، لا يجوز : ما زيد بالذي يخرج إلا أخوه ، ولا مازيد بالذي يضرب إلا عمراً ، ولا ما زيد بالذي يمر إلا ببكر .

والتركيب الذي ركبه الزمخشري من قوله : لا يقرب أحداً إلا المؤمن ، غير موافق للقرآن ؛ ففي الذي ركبه يجوز ما قال ، وفي لفظ القرآن لا يجوز .

وأجاز الفراء أن تكون من في موضع رفع ، وتقدير الكلام عنده ما هو المقرب { إلا من آمن } . انتهى .

وقوله كلام لا يتحصل منه معنى ، كأنه كان نائماً حين قال ذلك .

وقرأ الجمهور : { جزاء الضعف } على الإضافة ، أضيف فيه المصدر إلى المفعول ، وقدره الزمخشري مبنياً للمفعول الذي لم يسم فاعله ، فقال : أن يجازو الضعف ، والمصدر في كونه يبنى للمفعول الذي لم يسم فاعله فيه خلاف ، والصحيح المنع ، ويقدر هنا أن يجاوز الله بهم الضعف ، أي يضاعف لهم حسناتهم ، الحسنة بعشر أمثالها ، وبأكثر إلى سبعمائة لمن يشاء .

وقرأ قتادة : جزاء الضعف برفعهما ؛ فالضعف بدل ، ويعقوب في رواية بنصب جزاء ورفع الضعف ، وحكى هذه القراءة الداني عن قتادة ، وانتصب جزاء على الحال ، كقولك : في الدار قائماً زيد .

وقرأ الجمهور : { في الغرفات } جمعاً مضموم الراء ؛ والحسن ، وعاصم : بخلاف عنه ؛ والأعمش ، ومحمد بن كعب : بإسكانها ؛ وبعض القراء : بفتحها ؛ وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وحمزة : وأطلق في اختياره في الغرفة على التوحيد ساكنة الراء ؛ وابن وثاب أيضاً : بفتحها على التوحيد .