معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

وقوله : { زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ37 } ( مَنْ ) في موضع نصب بالاستثناء . وإن شئت أوقعت عليها التقريبَ ، أي لا تقرِّب الأموالُ إلاّ مَن كان مطيعاً . وإن شئت جَعَلته رفعاً ، أي ما هو إلا من آمن .

ومثله { لاَ يَنْفَعُ مالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بقَلْبٍ سَلِيمٍ } وإن شئتَ جَعَلت ( مَنْ ) في موضع نصبٍ بالاستثناء . وإن شئت نصباً بوقوع ينفع . وإن شئت رفعاً فقلت : ما هُوَ إلا مَن أتى الله بقلبٍ سَليمٍ .

وقوله : { وَما أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي } إن شئت جعلت ( التي ) جامعة للأموال والأولاد ؛ لأن الأولاد يقع فيها ( التي ) فلما أن كانا جمعاً صلح للّتي أن تقع عَليهما . ولو قال : ( باللتَينِ ) كان وجها صَواباً . ولو قال : باللّذَينِ كما تقول : أَما العسكر والإبل فقد أقبلا . وقد قالت العرب : مرَّت بنا غَنَمان سُودان ، فقال : غَنَمان : ولو قال : غَنَم لجاز . فهذا شاهد لمن قال ( بالتي ) ولو وجّهت ( التي ) إلى الأموال واكتفيتَ بها من ذكر الأولاد صلح ذلكَ ، كما قالَ مرَّار الأسَدي :

نحن بما عندنا وأنت بما *** عِندك رَاضٍ والرأي مختلفُ

وقال الآخر :

إِني ضمِنت لمن أتَاني ما جَنَى *** وأبى وكان وكنت غير غَدُور

ولم يقل : غير غَدُورين . ولو قال : وما أموالكم ولا أولادكم بالذِينَ . يذهب بها إلى التذكير للأولاد لجَاز .

وقوله : { لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ } لو نصبت بالتنوين الذي في الجزاء كان صَوَاباً . ولو قيل { لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفُ } ولو قلت : جَزَاء الضِّعْفُ كما قال { بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ } { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ } و { الغُرْفة } .