معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

قوله تعالى : { إن تحرص على هداهم } يا محمد ، { فإن الله لا يهدي من يضل } ، قرأ أهل الكوفة يهدي بفتح الياء وكسر الدال أي : لا يهدي الله من أضله . وقيل : معناه لا يهتدي من أضله الله . وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الدال يعني من أضله الله فلا هادي له كما قال : { من يضلل الله فلا هادي له } [ الأعراف- 86 ] { وما لهم من ناصرين } أي مانعين من العذاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ ْ } وتبذل جهدك في ذلك { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ْ } ولو فعل كل سبب لم يهده إلا الله ، { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ْ } ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

ثم أخبر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حرصه على هداية المصرين على ضلالهم ، لن يغير من واقع أمرهم شيئا ، فقال - تعالى - { إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ . . } .

والفعل المضارع { تحرص } بكسر الراء ، ماضيه " حرص " بفتحها كضرب يضرب .

والحرص : شدة الرغبة فى الحصول على الشئ ، والاستئثار به .

وقوله : { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } تعليل لجواب الشرط المحذوف ، والتقدير :

إن تحرص - أيها الرسول الكريم - على هداية هؤلاء المصرين على كفرهم لن ينفعهم حرصك . فإن الله - تعالى - قد اقتضت حكمته أن لا يهدى من يخلق فيه الضلالة بسبب سوء اختياره ، وفساد استعداده .

وفى الجملة الكريمة إشارة إلى ما جبل عليه النبى صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق ، فإنه مع ما لقيه من مشركى قومه من أذى وعناد وتكذيب . . . كان حريصا على ما ينفعهم ويسعدهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } جواب الشرط على معنى فاعلم ذلك ، أو علة للجواب المحذوف ، أى : إن تحرص على هداهم لن ينفع حرصك شيئا ، فإن الله لا يهدى من يضل .

والمراد بالموصول : كفار قريش المعبر عنهم قبل ذلك بالذين أشركوا ، ووضع الموصول موضع ضميرهم ؛ للتنصيص على أنهم ممن حقت عليهم الضلالة وللإِشعار بعلة الحكم .

ومعنى الآية : أنه - سبحانه - لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره . و " من " على هذا . مفعول { يهدى } وضمير الفاعل فى { يضل } لله - تعالى - والعائد محذوف ، أى من يضله .

وقرأ غير واحد من السبعة { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي . . } بضم الياء وفتح الدال - على البناء للمفعول .

و " من " على هذا نائب فاعل ، والعائد وضمير الفاعل كما مر . . " .

والمعنى على هذه القراءة : إن تحرص على هداهم - يا محمد - لن ينفعهم حرصك ، فإن من أضله الله - تعالى - لا يهديه أحد .

وقوله : { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } تذييل مؤكد لما قبله .

أى : وليس لهؤلاء الضالين من ناصر يدفع عنهم عذاب الله - تعالى - إن نزل بهم ، أو يصرفهم عن سبيل الغى الذى آثروه على سبيل الرشد .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :

{ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً . . }

وقوله - تعالى - :

{ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك مقولة أخرى من مقولاتهم الباطلة ، التى أكدوها بالأَيمان المغلظة ، ورد عليها بما يدمغها ، فقال - تعالى - : { وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ . . . } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير{[16434]} عليهم ، وأنكر{[16435]} عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل ؛ فلهذا قال : { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } أي : اسألوا{[16436]} عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] ، { وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الملك : 18 ] .

ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } [ المائدة : 41 ] ، وقال نوح لقومه : { وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } كما قال تعالى : { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ{[16437]} فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] .

فقوله : { فَإِنَّ اللَّهَ } أي : شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؛ فلهذا قال : { لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } أي : من أضله فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ أي : لا أحد { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } أي : ينقذونهم{[16438]} من عذابه ووثاقه ، { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 54 ] .


[16434]:في أ: "عيره".
[16435]:في أ: "وأنكره".
[16436]:في أ: "فاسألوا".
[16437]:في ت: "ويمدهم" وهو خطأ.
[16438]:في ت، ف، أ: "ينقذهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَحْرِصْ عَلَىَ هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحقّ فإنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلّ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء الكوفيين : فإنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يَضِلّ بفتح الياء من «يهدي » ، وضمها من «يضلّ » . وقد اختلف في معنى ذلك قارئوه كذلك ، فكان بعض نحويي الكوفة يزعم أن معناه : فإن الله من أضله لا يهتدي ، وقال : العرب تقول : قد هُدي الرجل يريدون قد اهتدى ، وهُدي واهتدى بمعنى واحد . وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه : فإن الله لا يهدي من أضله ، بمعنى : أن من أضله الله فإن الله لا يهديه . وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والشام والبصرة : «فإنّ اللّهَ لاَ يُهْدَى » بضم الياء من «يُهدى » ومن «يُضل » وفتح الدال من «يُهدَى » بمعنى : من أضله الله فلا هادي له .

وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب ، لأن يَهْدي بمعنى يهتدى قليل في كلام العرب غير مستفيض ، وأنه لا فائدة في قول قائل : من أضله الله فلا يهديه ، لأن ذلك مما لا يجهله أحد . وإذ كان ذلك كذلك ، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى .

فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا : إن تحرص يا محمد على هداهم ، فإن من أضله الله فلا هادي له ، فلا تجهد نفسك في أمره وبلغه ما أرسلت به لتتمّ عليه الحجة . وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يقول : وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم ، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم .

وفي قوله : إنْ تَحْرِصْ لغتان : فمن العرب من يقول : حَرَصَ يَحْرِصُ بفتح الراء في فعَل وكسرها في يفعل . وحَرِصَ يَحْرَصُ بكسر الراء في فعِل وفتحها في يفعَل . والقراءة على الفتح في الماضي والكسر في المستقبل ، وهي لغة أهل الحجاز .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

وقوله { إن تحرص } الآية ، الحرص أبلغ الإرادة في الشيء ، وهذه تسلية للنبي عليه السلام أي إن حرصك لا ينفع ، فإنها أمور محتومة ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وشبل ومزاحم الخراساني وأبو رجاء العطاردي وابن سيرين «لا يُهدَى » بضم الياء وفتح الدال{[7296]} ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «لا يهدي » بفتح الياء وكسر الدال ، وهي قراءة ابن المسيب وابن مسعود وجماعة ، وذلك على معنيين أي إن الله لا يهدي من قضى بإضلاله ، والآخر أن العرب تقول هدي الرجل بمعنى اهتدى حكاه الفراء{[7297]} وفي القرآن { لا يهدي إلا أن يهدى }{[7298]} [ يونس : 35 ] وجعله أبو علي وغيره بمعنى يهتدي ، وقرأت فرقة «إن الله لا يَهدِي » بفتح الياء وكسر الهاء والدال ، وقرأت فرقة «إن الله لا يُهدي » بضم الياء وكسر الدال ، وهي ضعيفة{[7299]} ، وفي مصحف أبي بن كعب ، «إن الله لا هادي لمن أضل » ، قال أبو علي : الراجع إلى اسم { إن } مقدر في { يضل } على كل قراءة إلا على قراءة من قرأ «يَهْدِي » بفتح الياء وكسر الدال بمعنى يهدي الله ، فإن الراجع مقدر في «يهدي » ، وقوله { وما لهم } ضمير على معنى «من » ، وتقول العرب حَرَص يحرص{[7300]} وَحَرص يحرُص والكسر في المستقبل هي لغة أهل الحجاز ، وقرأ الحسن وإبراهيم وأبو حيوة بفتح الراء ، وقرأ إبراهيم منهم ، «وإن » بزيادة الواو .


[7296]:قال الفراء في (معاني القرآن): و هو وجه جيد، لأنها في قراءة أبي: "لا هادي لمن أضل".
[7297]:الذي حكاه الفراء هو أن العرب تقول: "قد هدي الرجل" يريدون: اهتدى، ثم استشهد بالآية وهي بتشديد الدال المكسورة، ثم عاد الفراء فنقل عن الأعمش أنه قرأ: [يهدي] بفتح الياء وكسر الدال. و قال محقق "معاني القرآن" للفراء: إنه يريد قراءة حمزة، والكسائي، "بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال"، وبهذا يكون ما ذكره ابن عطية عن الفراء صحيحا إذا كان قد فهم ما يريده الفراء كما فهمه المحقق.
[7298]:من الآية (35) من سورة (يونس).
[7299]:قال أبو حيان تعقيبا على هذا : "و إذا ثبت أن "هدى" لازمة بمعنى "اهتدى" لم تكن ضعيفة، لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى: لا يجعل مهتديا من أضله".
[7300]:ضبطها محقق (اللسان) طبعة دار المعارف ـ القاهرة ـ بضم الراء، و ضبطها محقق المحتسب لابن جني بفتح الراء. أما لغة أهل الحجاز وهي الكسر فلا خلاف فيها.