مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة فإنه لا يهتدي ، فقال : { إن تحرص على هداهم } أي إن تطلب بجهدك ذلك ، فإن الله لا يهدي من يضل ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي { يهدي } بفتح الياء وكسر الدال . والباقون : { لا يهدي } بضم الياء وفتح الدال .

أما القراءة الأولى : ففيها وجهان : الأول : فإن الله لا يرشد أحدا أضله ، وبهذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما . والثاني : أن يهدي بمعنى يهتدي . قال الفراء : القرب تقول : قد هدى الرجل يريدون قد اهتدى ، والمعنى أن الله إذا أضل أحدا لم يصر ذلك مهتديا .

وأما القراءة المشهورة : فالوجه فيها إن الله لا يهدي من يضل ، أي من يضله ، فالراجع إلى الموصول الذي هو من محذوف مقدر وهذا كقوله : { من يضلل الله فلا هادي له } وكقوله : { فمن يهديه من بعد الله } أي من بعد إضلال الله إياه .

ثم قال تعالى : { وما لهم من ناصرين } أي وليس لهم أحد ينصرهم أي يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة . وأقول أول هذه الآيات موهم لمذهب المعتزلة ، وآخرها مشتمل على الوجوه الكثيرة الدالة على قولنا ، وأكثر الآيات كذلك مشتملة على الوجهين ، والله أعلم .