تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

35

{ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ومالهم من ناصرين } .

تأتي هذه الآية ؛ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتحديدا لرسالته بالتبليغ ، وفيها تهدئة لخاطره ، وتطمينا لنفسه ، وقد كان حريصا على هداية قومه ، راغبا في إيمانهم ، بيد أنهم آثروا الضلالة ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بمثابة من يشعل ضوءا لهداية قومه ، فيتتابع الفراش في إلقاء نفسه في هذه النار ؛ ليشتعل ويهلك ، كما ورد في الحديث الصحيح :

( إنما مثلي ومثل قومي كمثل رجل أشعل نارا فجعل الفراش يتهافت على الوقوع فيهما ، وإني ممسك بحجز قريش أن تقع في النار )25 .

ومعنى الآية :

إن تحرص أيها الرسول الكريم على هداية هؤلاء المصرين على كفرهم ؛ لن ينفعك حرصك ؛ لأن الله تعالى لا يخلق الهداية جبرا وقسرا ، فيمن استحق الضلالة ، بسوء اختياره ، وتوجيه عزائمه إلى عمل المعاصي ، والإشراك بربه .

{ وما لهم من ناصرين } . تذييل مؤكد لما قبله . أي : وليس لهؤلاء الضالين من ناصر يدفع عنهم عذاب الله تعالى ، إن نزل بهم .

ونحو الآية قوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } . ( القصص : 56 ) .

وقوله سبحانه : { من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون } . ( الأعراف : 186 ) .

ومجمل القول :

إن من اختار الضلالة ، ووجه همته إلى تحصيل أسبابها ؛ فالله سبحانه وتعالى لا يخلق فيه الهداية قسرا وإلجاء ؛ لأن مدار الإيمان والكفر والاختيار ، لا الإلجاء والاضطرار .