الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

وقرأ العامَّةُ { إِن تَحْرِصْ } : بكسرِ الراءِ مضارعَ " حَرَص " بفتحِها ، وهي اللغةُ العاليةُ لغةُ الحجاز . والحسن وأبو حَيْوة " تَحْرَصُ " بفتح الراء مضارعَ " حَرِص " بكسرِها ، وهي لغةُ لبعضِهم ، وكذلك النخعي ، إلا أنه زاد واواً قبل " إنْ " فقرأ { وَإنْ تَحْرَصْ } .

قوله : { لاَ يَهْدِي } قرأ الكوفيون " يَهْدِي " بفتح الياءِ وكسرِ الدالِ ، وهذه القراءةُ تحتمل وجهين ، أحدُهما : أن يكون الفاعلُ ضميراً عائداً على الله ، أي : لا يَهْدِي اللهُ مَنْ يُضِلُّه ، ف " مَنْ " مفعولُ " يَهْدِي " ويؤيده قراءةُ أُبَيّ " فإنَّ اللهَ لا هاديَ لِمَنْ يُضِلُّ ، ولِمَنْ أضلَّ " ، وأنه في معنى قولِه :

{ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] .

والثاني : أن يكونَ الموصول هو الفاعلَ ، أي : لا يَهْدِيْ المُضِلَّون ، و " يَهْدِي " يجيءُ في معنى يهتدي . يقال : هداه فَهَدَى ، أي : اهتدى . ويؤيد هذا الوجهَ قراءةُُ عبدِ الله " يَهْدِي " بتشديدِ الدالِ المكسورةِ ، فَأَدْغم . ونقل بعضُهم في هذه القراءةِ كسرَ الهاءِ على الإِتباع ، وتحقيقُه تقدَّمَ في يونس . والعائدُ على " مَنْ " محذوفٌ : { مَن يُضِلُّ } ، أي : الذي يُضِلُّه اللهُ .

والباقون : " لا يُهْدَى " بضمِّ الياءِ وفتحِ الدالِ مبنياً للمفعول ، و " مَنْ " قائمٌ مَقامَ فاعِله ، وعائدُه محذوفٌ أيضاً .

وجَوَّز أبو البقاء في " مَنْ " أن يكونَ مبتدأً و " لا يَهْدِي " خبره ، يعني : مقدَّمٌ عليه . وهذا خطأٌ ؛ لأنه متى كان الخبرُ فعلاً رافعاً لضميرٍ مستترٍ وجب تأخُّرُه نحو : " زيدٌ لا يَضْرِبُ " ، ولو قَدَّمْتَ لالتبس بالفاعل .

وقُرِئ " لا يُهْدِيْ " بضمِّ الياءِ وكسرِ الدالِ . قال ابن عطية : " وهي ضعيفةٌ " قال الشيخ : " وإذا ثَبَتَ أنَّ " هَدَى " لازمٌ بمعنى اهتدى لم تكنْ ضعيفةً ؛ لأنه أدخل همزةَ التعديةِ على اللازم ، فالمعنى : لا يُجْعَلُ مهتدياً مَنْ أضلَّه اللهُ " .

وقوله : " ومالهم " حُمِلَ على معنى " مَنْ " ، فلذلك جُمِعَ .

وقُرِئ " مَنْ يَضِلُّ " بفتحِ الياءِ مِنْ " ضَلَّ " ، أي : لا يَهْدي مَنْ ضَلَّ بنفسِه .