فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

ثم خصص الخطاب برسوله صلى الله عليه وسلم مؤكداً لما تقدّم فقال : { إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ } أي : تطلب بجهدك ذلك { فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } قرأ ابن مسعود وأهل الكوفة : { لا يهدي } بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه ، أي : فإن الله لا يرشد من أضله ، و{ من } في موضع نصب على المفعولية .

وقرأ الباقون «لا يهدي » بضم حرف المضارعة على أنه مبني للمجهول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم على معنى أنه لا يهديه هادٍ كائناً من كان . و{ من } في موضع رفع على أنها نائب الفاعل المحذوف ، فتكون هذه الآية على هذه القراءة كقوله في الآية الأخرى { مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] . والعائد على القراءتين محذوف ، أي : من يضله . وروى أبو عبيد عن الفراء على القراءة الأولى أن معنى { لاَّ يَهِدِّى } لا يهتدي كقوله تعالى : { أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يهدى } [ يونس : 35 ] . بمعنى يهتدي . قال أبو عبيد : ولا نعلم أحداً روى هذا غير الفراء ، وليس بمتهم فيما يحكيه . قال النحاس : حكي عن محمد بن يزيد المبرد ، كأن معنى { لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } من علم ذلك منه ، وسبق له عنده { وَمَا لَهُم مّن ناصرين } ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله ، أو ينصرونهم بدفع العذاب عنهم .

/خ40